مقاربة حول تدخّل العلم والتكنولوجيا في البيئة

جزء غير قابل للترميم من الأرض.. التغير المناخي ومخاطره

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تتعدد الآراء والنظريات حول مسألة التغيّر المناخي، وتتراوح المواقف منها بين الإنذار بخطر محدق يتهدد الأرض التي نعيش عليها وبين الموقف النقيض الذي يرى أنصاره أن كل ما يقال ويتردد عن التغيير المناخي ومخاطره لا يقوم على أي أساس علمي، وأنه بالتالي ينتمي إلى «الخيال» أكثر من انتمائه إلى «الواقع».

وما بين الموقفين هناك أولئك الذين يقومون بمقاربة مختلفة تماماً. مقاربة تكمن في القول إنه يمكن «السيطرة» على مخاطر التغيّر المناخي «إذا وُجدت. ذلك من خلال القيام بعملية «ترميم»، بل و«إعادة بناء» للأرض وتوجيه مسار تطورها البيئي من خلال «تدخّل العلم والتكنولوجيات الحديثة المتقدّمة لضبط المنظومة المناخية السائدة فيها، أي الأرض».

هذه الطريقة تدل على مجموع التقنيات التي تهدف إلى تغيير مناخ الأرض وبيئتها. ذلك بمعنى اللجوء إلى تصحيح مسار ما كانت قد تعرّضت له بسبب النشاطات الصناعية. وليس الوقاية من تلك النشاطات عبر الحدّ من الغازات الضارة للبيئة وللغلاف الجوي الصادرة من المصانع، وخاصة ثاني أكسيد الكربون، تبعاً لخطط يتم نقاشها منذ سنوات عديدة.

مثل هذه الطريقة في مواجهة مخاطر التغيير المناخي يطلقون عليها توصيف «هندسة جيولوجية المناخ». ويتمثل التطبيق العملي الذي يقترحه العلماء المعنيون لتطبيق تلك الطريقة في مكافحة التغيّر المناخي ودرء مخاطره عبر ضخّ «جزيئات السلفات» في الطبقات الجوية.

وفيلسوف العلوم الفرنسي فريدريك نايرا، الأستاذ في جامعة ويسكنسون بالولايات المتحدة الأميركية والأخصائي بالفكر المعاصر، يوجّه نوعاً من التحذير بأن مثل هذا العلاج هو أسوأ من المرض. وهذا ما يشرحه في كتابه الأخير الذي يحمل عنوان: «الجزء غير القابل للترميم من الأرض».

السمة الأولى «السيئة» التي يؤكد عليها المؤلف في العلاج المقترح، مثل أي علاج آخر، أنه ذو طبيعة علاجية وليس وقائية. ويشير إلى أن مثل هذا العلاج يندرج في إطار الخطة البديلة التي يراد لها أن تحل محل الخطة الأساسية التي يميل لها المؤلف المتمثّلة في البحث عن سبل وقاية البيئة. ويرى في هذا نوعاً من التعبير أن «عصر غزو الفضاء لم ينته». و«الكوكب المستهدف اليوم هو: الأرض».

ويشرح المؤلف أيضاً أن الذين يقفون خلف مشروع خطة إعادة بناء الأرض وتوجيهها بواسطة التكنولوجيات الجديدة، إنما بينهم شريحة هامة من «رجال الأعمال» الذين يبحثون عن مجالات جديدة لاستثماراتهم وهم ينظرون إلى الفضاء كـ «ميدان لاستثمارات جديدة».

ويشير إلى أن هؤلاء يجدون من «يروّج لمشاريعهم المناخية» في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية في فرنسا والغرب عموماً. وبدلاً من الربط التقليدي بين الثقافة والطبيعة يتم التأكيد على فكرة «الطبيعة المندمجة في إطار الشبكات التكنولوجية ــ المالية»، أي الربط بين الطبيعة والنشاطات المالية.

ومقابل التطرّف فيما يتعلق بقدرات التكنولوجيا في السيطرة على الطبيعة ولجمها عبر التكنولوجيات، يؤكد المؤلف أن مثل هذا اليقينالموصوف بالعلمي ينتمي بالأحرى إلى الأساطير. ويقترح رؤية تأخذ باعتبارها «ما هو غير قابل للترميم في الأرض«، ذلك بمعنى الجزء الذي «لا يمكن إعادة بنائه إذا تمّ تخريبه».

هذا في الوقت الذي يؤكد فيه أن الأرض تعاني وأن تخفيف معاناتها لن يكون من خلال الجري وراء «الحلم ــ الوهم» الذي تقدمه تكنولوجيات القرن الحادي والعشرين، والذي يكمن جوهره بالتأكيد أنه لا تنبغي مغادرة الأرض بل بالأحرى إصلاحها.

فكرة الإصلاح هذه تقوم، كما يشرح المؤلف، على أساس أن «الإنسان» غدا بمثابة «المحرّك والعامل الرئيسي» في مختلف عمليات التحول الجيولوجي والمناخي التي تعرفها الأرض والبيئة، بتعبير آخر أصبح يرى نفسه أنه مكلف بمهمة تسيير وإدارة العالم الذي يعيش فيه من خارجه.

بهذا المعنى أنه إذا حدث تغيّر مناخي في حرارة الأرض فإنه يستطيع التدخّل ويستخدم ما وصل إليه من تكنولوجيات كي يعيد ضبط إيقاع عملها، أي الأرض.

ويصف المؤلف ذلك الذي يعتقد بإمكانية التصدّي لظاهرة التغيّر المناخي «تكنولوجيا» و«ترميم جيولوجية الأرض» بأنه يحلم كـ«غواص يملك قدرات استثنائية تعيد ترميم الأرض من خارجها». مثل هذا النوع من التفكير يعتبره المؤلف بمثابة «زوال الطبيعة».

ويناقش على مدى العديد من الصفحات الصورة التي يقدمها للأرض التي نعيش عليها أولئك الذين يعتبرونها كـ«شبكة هائلة». وهؤلاء هم الذين يمثلون التيار الذي برز في الغرب خلال سنوات السبعينات المنصرمة وهم يتبنون مقولة «البيئة - الشبكة».

مقابل ذلك كله يقدم المؤلف رؤيته حول التغيّر المناخي في القسم الأخير من الكتاب. هذا تحت عنوان: «البيئة - الفصل». وتحديداً الفصل بين ما قد يمكن ترميمه وما لا يمكن ترميمه لأنه غير قابل للترميم، كما تتم الدلالة في العنوان الرئيسي. الخطوة الأولى والأساسية التي يؤكد عليها المؤلف بأشكال مختلفة هي القيام بالتراجع الضروري من أجل فهم لماذا ينبغي الدفاع عن الطبيعة.

ويعتبر المؤلف أن الخطوة الأولى من أجل إنقاذ الأرض تتمثّل بـ«الاعتراف بمكوّنها المتوحش وغير القابل للترميم ولإعادة البناء». هذا على عكس التوجه السائد في المفاهيم البيئية المعاصرة التي تولي اهتمامها لـ«مصالح البشر الآنية» وليس لـ«البيئة» وما تمثّله بالنسبة للإنسان اليوم، وخاصة ما تمثله بالنسبة لأجيال المستقبل على المدى المتوسط.

Email