والدة القاتل الأميركي ديلان كليبولد تعتذر من ذوي الضحايا وتروي قصتها

محصّلة تفكير أم.. العيش غداة مجزرة ثانوية كولومبيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

من السلوكيات المثيرة التي عرفها المجتمع الأميركي خلال العقود الأخيرة تلك الخاصّة بحالات العنف القصوى فيما عُرف بـ «مدارس القتل». والمقصود حوادث القتل الجماعي التي قام بها في أغلب الحالات طلبة مراهقون أستخدموا أسلحة نارية وذهب ضحيتها عدد من زملائهم وربما من أساتذتهم أو من العاملين في مدارسهم.

وإذا كانت تلك الممارسات قد طرحت الكثير من الأسئلة على المجتمع الأميركي وعن المسائل التربوية و امتلاك الأسلحة النارية بحريّة كبيرة في الولايات المتحدة والأسباب البعيدة،الفقريبة والبعيدة، التي دفعت الفاعلين لارتكاب جرائمهم، فإن أهل هؤلاء الفاعلين يطرحون أيضا على أنفسهم أسئلة قد لاتفارقهم طيلة حياتهم.

ومن بين هؤلاء الأهل «سيو كليبولد»، السيّدة الأميركية المهتمّة بمشاكل «المعاقين»، وأمّ «ديلان كليبولد» ابن السابعة عشرة في عام 1999. وديلان هو أحد فاعلي المجزرة التي عرفتها «ثانوية كولومبيا» في بلدة ليتلوتن في كولارادو يوم العشرين من شهر ابريل من تلك السنة.

واليوم تعود هذه الأم إلى ما عرفته وعايشته وقاست منه بقيّة حياتها في كتاب قفز سريعا إلى قائمة الكتب الأكثر انتشارا في أميركا. يحمل الكتاب عنوان «محصّلة تفكير أمّ» وعنوانه الفرعي هو «العيش غداة المأساة».

الكثير من صفحات هذا الكتاب مكرّسة لتوصيف وقائع يوم الجريمة ووقعها على المؤلفة ــ الأم. تكتب «يوم 20 ابريل 1999. كنت في مكتبي بمركز مدينة دانفير. كنت أتهيأ للمشاركة في اجتماع حول الطلبة المعاقين، عندما لاحظت غمّازة الإشارة الضوئية الحمراء على هاتف مكتبي مضاءة.(...). كان زوجي قد ترك رسالة صوتية تقول: سوزان اتصلي بي حالا لأمر ملحّ».

كانت الفكرة الأولى التي خطرت لها، وأدخلت «الطمأنينة على نفسها قليلا»، أن ابنهما الصغير «دايلان» في المدرسة والكبير «بايرون» في العمل. وهذا يعني أن هناك حادثا خطيرا ما في مكان آخر. وكانت إجابة زوجها على الاتصال الهاتفي «مختلطة» ولم تفهم منها سوى «عليكِ مشاهدة التلفزيون».

«لقد أرعبني أن ما حدث هو من الخطورة إلى حد أنه حدث تلفزيوني»، كما تكتب. تكاثرت السيناريوهات في رأس الأم وصفحات زاخرة بالتعبير عن القلق ــ ومثيرة لقلق القارئ ــ إلى أن تكشّفت حقيقة ما الذي حصل لتبدأ رحلة «عذاب وألم لا نهاية لها»، كما تعبّر المؤلفة ــ الأم.

وهذا كتاب هو بالوقت نفسه عن مشاعر أمّ فقدت فجأة الابن الذي اعتقدت أنها كانت قد «أحسنت تربيته» وأنها أعدّته لـ «مستقبل مشرق». وأمّ تضع نفسها في مواجهة «مسؤوليتها»، بمعنى ما، عن المصير الذي آل إليه وأنها «ربما لم تفهم» أو «لم تبذل الجهد الكافي كي تفهم» ما كان يعاني منه في داخله.

وتعبّر المؤلفة عن ما ترى فيه نوعا من الإهمال بكتابة ما يلي:«لقد قللنا بكل بساطة من عمق خطورة الألم الذي كان يعاني منه ومما كان مستعدا لفعله للتخلّص من ذلك الألم. ذلك التقليل من مدى الخطورة كان له نتائج قاتلة».

تتساءل المؤلفة ــ الأم في هذا السياق عمّا إذا انها وزوجها ــ الأب قد تجنّبا الدخول مع ابنهما في «مواجهة ربما كانت ضرورية؟». وعلى خلفية هذه الـ «ربما» وبعيدا عن تقديم أيّة إجابة قاطعة تدور مختلف تحليلات الكتاب.

إن المؤلفة ــ الأمّ تعود إلى صباح ذلك اليوم من شهر ابريل 1999، عندما همّ ابنها «دايلان» للخروج إلى مدرسته كبقية الأيام وحيث أطلق من قرب باب المنزل باتجاهها كلمته المعهودة «باي». وتشير أنها أحسّت أن للطريقة التي قالها ذلك اليوم «نكهة خاصّة» لم تعرفها من قبل. لقد كان فيها، كما لاتكتب، «شيئا من المخاتلة تقريبا وكأنه تفاجأ بشجار مع آخر». بل وتشير أنها قلقت من تلك اللهجة إلى درجة أنها أخطرت زوجها بما يعتلج في داخلها حيال دايلان.

وبعد مرور السنوات الطويلة تشرح «سيو كليبولد» مدى الألم الذي عاشته. ذلك إلى جانب الرعب والإحســاس بـ «العار» والخجل. ذلك كلّه مـــمزوجا بالغضب من كل ما ترى أنه ساهم في ارتكاب ابنها بالمشاركة مع زميل له في المدرسة اسمه «اريك هاريس»، ابن الثامنة عشرة، أحد أسوأ عمـــليات القــتل التي شهدتها المدارس في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية.

وتكرّس المؤلفة العديد من الصفحات للدور الذي تعتقد أن لقاء ابنها وزميله «اريك» في ثانوية كولومبيا قد لعبه في سلوكهما اللاحق. ومما ترويه أنها لم تول الأهمية الكافية لحـــــادثة إلقاء الشرطة على ابنها وزميله القبض بعد قـــيامهما بكسر قفل إحدى الشاحنات والولوج إلى داخلها لسرقة بعض المعدّات الألكترونية. ومع ذلك الصــديق كان «ديلان» قد جمعا معا ما تصفه المؤلفة بـ «ترسانة من الأسلحة.

وتنتهي «سيوكلوبولد» إلى توجيه نوع من الرسالة لأهالي ضحايا جريمة ابنها وزميله، البالغ عددهم 12 تلميذا ومدرّسا واحدا وأكثر من 20 جريحا، للتواصل معها إذا رغبوا ذلك. تكتب: «أستطيع فقط أن أقول هنا إذا كان الحديث أو اللقاء معي يمكن أن يكون مفـــيدا بالنسبة لأهالي ضحايا دايلان وإريك فأنا تحت تصرّفهم باستمرار».

«أزمة نفسية»

تشيرالمؤلفة، بأشكال مختلفة، إلى أنها لم تجهد نفسها في قراءة الكثير من المؤشرات التي تدلّ على أن «دايلان»/‏ابنها-أحد القتلة، كان يعيش حالة «أزمة نفسية» وصلت به إلى حدّ الرغبة في وضع حدّ لحياته. هذا مع تعبيرها بصورة واضحة عن أن اسرتها تعيش في وئام تام، بدون هزّات خطيرة، وأنها مع زوجها «توم» حرصاً» على تأمين كل ما ينبغي تأمينه لتربية ولديهما.

Email