«نهاية العثمانية».. الحرب الكبرى في الشرق الأوسط

ت + ت - الحجم الطبيعي

يطلقون في الغرب على الحرب العالمية الأولى توصيف «الحرب الكبرى». ذلك على خلفية ما كانت قد سببته من قتل ودمار على صعيد القارّة الأوروبية بشكل خاص. وكان عام 1914 قد شهد صدور سلسلة من الكتب التي جعلت من تلك الحرب موضوعاً لها، بمناسبة الذكرى المئوية الأولى لاندلاعها.

والإشارة في هذا السياق أنه إذا كان عدد الضحايا على الجبهة الغربية، الأوروبية، أكثر بكثير مما كان على الجبهة الشرقية، فإن شروط تلك الحرب على هذه الجبهة كانت «أكثر قسوة» في الكثير من الأحيان.

والإشارة أيضا أنه إذا كان الجنود يستطيعون التمتّع، إلى حدّ ما، باستراحة «خلف خطوط الجبهة» في ساحات القتال الأوروبية فإن عمليات القصف والقنص المعزول وزرع الألغام كانت مستمرّة على الجبهة الشرقيّة.

و«نهاية الحقبة العثمانية» و«سقوط العثمانيين»، هذا هو بالتحديد موضوع كتاب المؤرّخ البريطاني «اوجين روغان»، مدير مركز الشرق الأوسط في جامعة أكسفورد، والذي قدّم العديد من الدراسات والكتب من بينها عمل شهير صدر عام 2009 تحت عنوان «العرب : تاريخ».

في هذا الكتاب الجديد يدرس المؤلف ــ المؤرّخ الحرب العالمية الأولى من زاوية سقوط الإمبراطورية العثمانية. لكن ليس من منظور تاريخي فحسب، ولكن أيضا من حيث ان تلك الحرب وما تركته من آثار تشكّل «الجذور البعيدة» للعديد من النزاعات الراهنة.

يشرح المؤلف أن العثمانيين لم يكونوا في واقع الأمر جاهزين لخوض «حرب جديدة» في خريف عام 1914 عند قيام الحرب الكبرى. ذلك أن الإمبراطورية العثمانية كانت تبدي الكثير من أعراض «الرجل المريض»، كما كان يقال آنذاك. وفي غضون السنوات الست التي سبقت الحرب الكبرى كان العثمانيون قد «خاضوا العديد من الحروب الخاسرة».

لقد وجدوا أنفسهم مرغمين على التخلّي عن ليبيا لإيطاليا. كما كانت موجة من الاستقلال قد شملت مناطق خضعت لسلطة الباب العالي العثماني خلال فترة طويلة. وفي مقدّمة تلك المناطق ما يشكّل بلغاريا اليوم وأجزاء كبيرة من اليونان والبوسنة وصربيا وألبانيا.

ويشير المؤلف أنه في مثل ذلك السياق أظهرت الإمبراطورية العثمانية استعدادها للانحياز إلى معسكر ألمانيا التي انطلقت منها شرارة الحرب. ذلك أنها بدت أكثر «تفهّما» لمساعدة العثمانيين على «استرداد» بعض المناطق التي فقدوها في الفترات السابقة على الحرب.. بهذا المعنى يرى المؤلف أن الإمبراطورية العثمانية سعت إلى «استثمار الحرب العالمية الأولى» كي تسترد بعض مكانتها «الضائعة» أو «كبح مسار انهيارها».

وفي المحصّلة، يقدّم المؤلف الحرب العالمية الأولى على أنها أنهت هيمنة الإمبراطورية النمساوية ــ الهنغارية في أوروبا وأنهت الحكم القيصري الروسي بما عُرف بـ «الثورة البلشفيّة» في روسيا عام 1917. وأدّت إلى الانهيار النهائي للإمبراطورية العثمانية. وعلى ضوء هذه الأحداث الكبرى كلّها يحاول المؤلف أن«يؤرّخ» لما هو قائم اليوم في منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، وبطريقة أبعد من الحديث المألوف في الغرب عن أبطال من أمثال «لورنس العرب».

Email