نظرة مثالية.. البيروقراطية وتغلغلها في الغرب

gra j

ت + ت - الحجم الطبيعي

صدر قبل حوالي أربع سنوات، للصحافي والكاتب والباحث في مجال تطوّر المجتمعات الإنسانية «ديفيد غريبر»، الأستاذ في مدرسة لندن للاقتصاد، كتاب تحت عنوان «الديون: الـ 5000 سنة الأولى»، تصدّر لأسابيع عديدة، قوائم الكتب الأكثر انتشاراً في العديد من بلدان العالم.

وكان موضوعه الرئيس، هو نوع من التأريخ لظاهرة الديون ولمفهوم القيمة، وكذلك دراسة العلاقة بين الديون وبين المؤسسات الاجتماعية المعنيّة فيه. والإشارة إلى أن عدداً من المعلّقين والنقّاد، أكّدوا أن ذلك الكتاب غيّر طريقة التفكير بالديون وبوزنها في حياة البشر.

ويعود «ديفيد غريبر» إلى واجهة الاهتمام، مع صدور كتاب جديد له، يحمل عنوان «نظرة مثالية ــ يوتوبيا ــ القواعد الصارمة»، الذي يكرّسه لدراسة مجموعة من الظواهر والسمات الشائعة في المجتمعات الحديثة، يجمعها تحت العنوان الفرعي للكتاب، ومفاده «حول التكنولوجيا وأشكال الفرح المخبوء للبيروقراطية».

تجدر الإشارة بداية أن المؤلف يولي أهمية خاصّة للقيام بنوع من التأريخ للمواضيع التي يناقشها. ويحاول أن يشرح كيفية عملها في المجتمعات الغربية الحديثة. وهو لا يتبنّى أسلوباً أكاديمياً، يتطلّب معارف خاصّة لفهم محتواه. بل يناقش تجارب معاشة، يعرفها البشر في حياتهم اليومية.

هكذا يناقش مثلاً السبل التي سلكتها الحكومات التي تعاقبت على بريطانيا خلال العقود الأخيرة. ويخلص في جميع الحالات إلى تأكيد نتيجة أساسية، مفادها أن كل ما قيل وتكرر عن مشاريع إصلاح ميدان المصالح العامّة باتجاه جعل التعامل فيها «أكثر بساطة» و« أقل بيروقراطيّة»، إنّما أدىّ إلى نتائج عكسية تماماً. والوصول في هذا الإطار إلى القول إنه في الغرب «الرأسمالي المتطرّف في رأسماليته»، يتم نوعاً من «التوحّد بين مؤسسات الدولة والمؤسسات الخاصّة»، على غرار «الاتحاد السوفييتي السابق».

هكذا يشرح المؤلف أن السيدة مرغريت تاتشر، جعلت من إصلاح العمل الحكومي في بريطانيا، أحد شعارات حملتها الانتخابية. وأشارت إلى أنها سوف تقوم بـ «تخفيض عدد البيروقراطيين في مختلف الدوائر الرسمية البريطانية». وقد قامت بالفعل بـ «تخفيض عددهم»، كما يشير قبل أن يضيف مباشرة «ولكن على الورق فقط».

ويشرح، بناءً على العديد من المعطيات التاريخية والممارسات الاقتصادية، وعلى التراتبية الاجتماعية ذات العلاقة الوثيقة بآلية تشكّل «الأمّة الأميركية»، أنهم، أي الأميركيين، لديهم «باع طويل في التجربة البيروقراطية». والبشر بطبيعتهم يمارسون ما أكسبتهم التجارب. ومن الطبيعي إذن أن يلجؤوا إلى ممارسة «قواعد البيروقراطية»، وهم الذين عاشوا طويلاً في «محيط تراتبي بيروقراطي».

ومن خلال التأكيد على «البعد البيروقراطي» في المجتمعات الليبرالية الحالية، يطرح المؤلف العديد من التساؤلات عن المسار التي عرفته التكنولوجيا، و«لماذا لم تحقق الوعود التي أطلقتها في سنوات الثمانينيات، واختراع روبوت يقومون بأعمال السخرة »، وسؤال آخر: «لماذا تباطأ إيقاع الاختراعات؟!».

Email