مقاومته ليست مهمة الأطباء فقط بل المجتمع ككل

الألم.. تاريخه وخصائصه لدى الأنغلوساكسون

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

البشر يتألّمون. هذا قانون يعرفه الجميع. وهو ممارسة ليس هناك من لا يمرّ بها من أبسط أنواع الألم البدني وحتى الألم الذي يعاني منه البعض على مستوى معنى حياتهم ووجودهم. ثمّ هناك من يتألّمون حقيقة وهناك من «يتخيّلون» أنهم يتألّمون.

عن هذه الزمرة الأخيرة قدّم الكاتب الفرنسي «موليير» في القرن السابع عشر عمله الكوميدي الشهير الذي يحمل عنوان «المريض بالوهم»، حيث كان كافياً أن يضع الطبيب يده على الوسادة كي «يصرخ المريض بالوهم من الألم».

وكانت المؤرّخة البريطانية «جوانا بورك» التي تمّ انتخابها عام 2014 كأحد أعضاء «الأكاديمية البريطانية» والأستاذة في جامعة لندن، جعلت من «تاريخ الحساسية الإنسانية» بشتّى صورها موضوع دراستها الأساسي. هكذا بعد أن قدّمت سلسلة من الكتب حول دراسة «مشاعر الخوف» و«غريزة القتل» و«الاعتداء» تخصص كتابها الأخير للبحث في «قصّة الألم»، كما يقول عنوانه.

إن المؤلفة تركّز أوّلا اهتمامها في هذا العمل على «التأريخ للألم» في العالم الانجلوساكسوني، بشكل خاص، من القرن الثامن عشر حتى الفترة الراهنة. ثمّ تناقش ما تسميّه «الأسئلة الكبرى» المتعلّقة بـ«تجربة الألم» وبـ «طبيعته»، وكيفية الإجابة على تلك الأسئلة. ومحور ثالث: البحث في «التغيّرات» التي طرأت على مفهوم الألم وطرق التعامل معه.

تشير المؤلفة بداية أن الأطباء تتردد على مسامعهم طيلة سنوات دراستهم كلمات من نوع « عليكم أن لا تستخلصوا نتائج صحيّة بسرعة». هذه القاعدة الذهبية تقتضي منهم أن يطرحوا سلسلة طويلة من الأسئلة على مرضاهم وإجراء القدر المطلوب من الفحوص والتحليلات الطبيّة قبل الشروع بتقديم «التشخيص» الذي يعتبرونه سببا لما يعاني منه المريض.

وتؤكد المؤلفة ــ المؤرّخة، أن النظرة إلى الألم وطريقة التعبير عنه لا تختلف من قرن إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى فحسب، بل هي تختلف من شخص إلى آخر ومن طبيب إلى آخر. بل والتأكيد أنها تختلف بالنسبة للفرد نفسه في اليوم أو الأسبوع أو على مدار السنة. من هنا كان للألم « بين أواسط القرن الثامن عشر وأواسط القرن العشرين. قصّة... وتاريخ».

إن مؤلفة هذا الكتاب تؤرّخ لـ«قصّة الألم» في الغرب خلال القرون الثلاثة الأخيرة. وتبين أنه غدت مسألة «الألم» نوعا من المقياس لردود أفعال مصدرها العرق ولون البشرة، بل وأحيانا «لون العيون».

هكذا مثلا نشرت «الصحيفة الطبيّة البريطانية» في عام 1959 مقالا جاء فيه أنه بمقدار ما تكون «زرقة العينين صارخة» يكون صاحبها قادرا على تحمّل الألم أكثر وبــ«مقدار ما يميل لون العيون نحو الرمادي ــ الأزرق والأخضر واللون الكستنائي يتعاظم الإحساس بالألم».

ويجري شرح إحساس النساء بالألم أكثر من الرجال بأن ذلك يعود إلى إلى «فرط حساسيتهن العصبيّة»، بينما أن الرجال يطوّرون «قدرات أكبر للتحكم بردود الأفعال». من هنا تعددت الآراء التي تقول ان «تفوّق العرق الأبيض محصور بالرجال» وحدهم ولا يشمل ذلك التفوّق النساء.

وبالمقابل، يجري التأكيد على أن الأطباء «البيض» في الغرب أظهروا «قدرا كبيرا من اللامبالاة حيال الألم»، وما يشكّل حسب التحليلات المقدّمة أحد سمات الثقافة الغربية. ذلك تتم إعادته إلى أنه قبل التوصّل إلى «التخدير» كان على الطبيب امتلاك «أعصاب فولاذية» في غرف العمليات.

ومما تؤكّد عليه المؤلفة في هذا السياق أن مفهوم «مكافحة الألم» لا يعود حصريا إلى «الأنظمة الصحيّة» المطبّقة في الغرب. لكن بالأحرى للنمط المجتمعي نفسه. هكذا مثلا «ترتبط نوعية العلاج في الولايات المتحدة بالقدرات المالية للمريض». وتخلص في إحدى نتائجها إلى التأكيد أنه لا يكفي تعليم الأطباء كيف يعرفون الألم بكافة أبعاده البدنية والحياتية.

بل «ينبغي القيام بإعادة نظر كاملة للمنظومات السياسية ــ الاقتصادية». وبالإجمال تولي المؤلفة اهتماماً كبيراً على مدى صفحات هذا الكتاب لأهمية «الوسط الاجتماعي» في محاربة الألم.

Email