الحكيم والشعب.. الانبعاث «الكونفوشيوسي» في الصين

ت + ت - الحجم الطبيعي

من المعروف اليوم أن الصين هي في طليعة القوى الصاعدة. وتلتقي العديد من التوقعات في القول أنها مرشحة كي تحتل المرتبة الاقتصادية الأولى في العالم بأفق العقدين القادمين، لكن ما لا يعرفه كُثر هو أن هذا النهوض الصيني الاقتصادي الكبير يتماشى ويتلازم مع انتعاش و«صعود» الاهتمام بأفكار الحكيم الصيني الشهير، بل والأكثر شهرة في تاريخ الصين كلّه، «كونفوشيوس».

هذا بالتحديد هو ما يشرحه ساباتييه بيّود، أستاذ الدراسات الصينية في جامعة السوربون وجويل تورافال، مدير مركز للدراسات حول الصين المعاصرة والأستاذ في مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية في باريس، في كتابهما الذي يحمل عنوان «الحكيم والشعب».

«الحكيم » هو كونفوشيوس الملقّب بـ«حكيم الصين العظيم» و«الشعب» هو بالطبع الشعب الصيني. والمؤلفان يدرسان في هذا الكتاب الدلالات العميقة لتعاظم الصين اقتصاديا وتعاظم عودة الاهتمام بكونفوشيوس بالتوازي. ويطرحان بداية السؤال التالي: ماذا تعني «عودة الكونفوشيوسية» في الصين عندما غدت من جديد قوّة عالمية كبرى؟

اللافت للانتباه أنه في الوقت الذي كرّس، ويكرّس، الكثيرون من الباحثين المهتمّين بالشأن الصيني أبحاثهم لخلفيات الخطاب الأيديولوجي والنقاشات الفكرية على الساحة الصينية، فإن مؤلفي هذا الكتاب ينطلقان في تحليلاتهما من مشاهدة أن أفكار الحكيم الصيني «كونفوشيوس» عادت للبروز في الصين منذ مطلع هذا القرن الحادي والعشرين. هذا والإشارة أن نظام ماوتسي تونغ كان يعتبره بمثابة «رمز للإقطاع وللعبودية»؛ الأمر الذي انقلب بصورة جذرية منذ وفاة ماو عام 1976.

يشير المؤلفان إلى أن هذا الكتاب هو ثمرة حوالي عقد كامل من الدراسات الميدانية التي أُجريت في الصين حول مظاهر تطوّر مجموعة من الممارسات المنبثقة عن الفكر الكونفوشيوسي مثل «عودة الاهتمام بالنصوص الكلاسيكية لحكيم الصين» التي عرفت بعد رحيل ماو طبعات عديدة من جديد في إطار حركة مزدهرة للنشر في الصين..

و«شيوع نوع من الحمّى الثقافية الحقيقية». كما برزت أيضا العودة إلى الاهتمام بما يُعرف في الصين بـ«ثقافة الجسد»، بمعنى لجم نزواته. وممارسة أخرى برزت يتم تحديدها بـ«اللجوء إلى ممارسات طقوسية جديدة».

وتحديد القول أيضا أن هذه الممارسات الجديدة ازدهرت في أماكن متنوّعة، وبشكل خاص في إطار المدارس والجامعات والمعابد البوذية والشركات والإدارات. وطالت، كما يؤكّد المؤلفان، جميع شرائح المجتمع الصيني «من الفلاّحين إلى أرباب العمل». والإشارة أن بعض «منتديات رجال الأعمال الكونفوشيوسيين» تستطيع جذب ما لا يقلّ عن 1000 شخص من الأثرياء «رجالاً ونساء» في اللقاءات التي تقوم دورياً بتنظيمها.

ومن الخلاصات الأساسية التي يتم الخروج بها من العودة «القوية» لأفكار الحكيم الصيني الكبير وانتشارها في مجالات متنوّعة «نوع من التشكيك بالمقولات الحديثة التي انتشرت في الصين خلال القرن العشرين». وكذلك نوع من الرفض لدى الكثير من شرائح المجتمع الصيني لها.

ومن المبادئ الأساسية التي يتم التركيز عليها في ظل انتعاش الكونفوشيوسية التأكيد على أهمية «الثقة بين البشر وعلى »العدالة«. هذا في إطار الحنين كثيرا إلى الماضي. وعبر محاولة نسج علاقة جديدة قويّة» بين «الحكيم والشعب» بحيث يستعيد الصينيون اكتشاف ثقافتهم وتاريخهم.

Email