زاد عدد المساجين في فرنسا ثلاثة أضعاف خلال ثلاثة عقود

ظل العالم.. بحث في ظروف السجن

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

غدا إيداع الجناة والمخالفين للقانون السجن بمثابة «المرجعية الأساسية للعقابّ » منذ أكثر من قرنين من الزمن. هذا صحيح في فرنسا كما في بقيّة بلدان العالم. لكن العقود الثلاثة الأخيرة عرفت ظاهرة جديدة تمثّلت في الزيادة الكبيرة ــ ثلاثة أضعاف ــ في أعداد المساجين كما تشير مختلف وسائل الإعلام ومن قبل مصادر مختلفة.

وعن «ظروف السجون» و«شروط العيش فيها» يقدّم عالم الاجتماع الفرنسي ديدييه فاسّان، أستاذ العلوم الاجتماعية في معهد للدراسات في برنستون بالولايات المتحدة الأميركية ومدير الدراسات في المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية في العاصمة الفرنسية باريس، كتاباً تحت عنوان «ظل العالم» يدرس فيه عالم السجون في الحقبة المعاصرة وآليات عمله ووظائفه وآثاره على الصعيد الاجتماعي.

وإذا كان ديدييه فاسّان يعتمد في دراسته الميدانية لعالم السجون على واقعها في فرنسا اليوم، حيث كان قد أمضى أربع سنوات كاملة وهو يقوم بالتحقيقات ويلتقي بالمعنيين من سجّانين ومساجين وإداريين وقضاة وغيرهم فإنه يذهب في تحليلاته إلى ما هو أبعد في محاولة الإجابة على بعض الأسئلة التي تتجاوز الإطار الفرنسي وأي إطار محلّي.

أسئلة من نوع: كيف يمكن أن نفهم المكانة التي تمثّلها السجون في المجتمعات الحديثة؟. وكيف يمكن تفسير واقع أن الزيادة في عدد المساجين تشير بوضوح أن تلك الزيادة تنتج عن تزايد عدد المساجين الذين ينتمون إلى فئات معيّنة؟. وبالنسبة لفرنسا ما هو الدور الذي تلعبه السجون في تكوين المتطرّفين من كل نوع؟.

ويؤكد ديدييه فاسان أن هناك باستمرار «ميلا إلى التطرّف أكثر وراء القضبان». هذا الدور الذي يلعبه السجن ينبغي الاهتمام فيه وعدم التغطية عليه، كما يتم التأكيد فيما يشبه إحدى الرسائل التي يريد المؤلف توجيهها إلى المسؤولين عن عالم السجون. ذلك على خلفية اعتبار السجن بمثابة «انعكاس للمجتمع والمرآة التي يرى نفسه فيها».

ومن الملاحظ أن مؤلف هذا الكتاب يواجه، عبر التعرّض لتحليل واقع السجون في فرنسا، المسائل ذات العلاقة بـ«أشكال التمييز الإتني والعرقي». ومن الكلمات الأولى التي ينقلها المؤلف على لسان أحد السجناء ما مفاده :« الفرنسيون في السجن ليسوا كُثرا. ونحن الضحايا».

ثم يضيف السجين نفسه لاحقا في لقائه مع المؤلف قوله :«عليّ أن اعترف لك أنا ممن يطلقون عليهم توصيف: أهل السفر ــ أي الغجر ــ ولكنني لم أخبر المحكمة بذلك ذلك أن هناك أحكاما مسبقة ما كان منها لو قلت الحقيقة سوى أن تزيد ــ ربما ــ من الحكم علي». ما يؤكّده المؤلف هو أن السجناء بينهم الكثير من «الطبقات الشعبية».

الأمر الذي يعتبره ليس جديدا ويشير أن أكثر من نصف النزلاء في السجن الذي أجرى تحقيقاته فيه بين عام 2009 و2013 هم من العاطلين عن العمل. والربع هم من العمّال بينما لا يمثّل الموظفون الكبار ــ الكوادر ـ سوى نسبة 1 بالمئة.

وفي نفس الإطار أيضا يشير المؤلف بالاعتماد على سجلاّت السجن الذي أجرى تحقيقاته فيه لسنوات أن «الأفارقة ــ السود ــ والعرب كانوا يشكلون ثلثي مجموع السجناء بل وأكثر من ثلاثة الأرباع بالنسبة للمساجين الذين تقلّ أعمارهم عن الثلاثين سنة». ويشرح المؤلف أن زيادة «تمثيل» الشباب الذين تعود أصولهم للهجرة في السجون اليوم تعود بالدرجة الأولى إلى أوضاعهم الاجتماعية.

لكن ديدييه فاسّان لا يرى في ذلك استثناء فرنسيا. ويكتب على سبيل المقارنة مع الولايات المتحدة وبريطانيا ما مفاده: «في الولايات المتحدة يشكّل السود وذوو الأصول الهسبانية ــ من بلدان أميركا اللاتينية، وخاصة من المكسيك ــ ثلثي مجموع المساجين.

وفي بريطانيا هناك ربع السجناء من السود والآسيويين»، حسب الإحصاءات المنشورة في البلدين من قبل الهيئات المختصّة. رسالة هامّة يطلقها المؤلف في النهاية مفادها أن «الأثر الردعي للسجن لم يعد فاعلاً».

Email