بيريزينا ..قصة مصطلح يعني «الهزيمة» والفوضى

ت + ت - الحجم الطبيعي

Berezina ــ بيريزينا كلمة فرنسية عامية تعود أصولها لنهر في بيلورسيا اشتهر حوضه بوجود الكثير من المستنقعات بحيث كانت الجيوش تعرف فيها الهزائم: مثلما حدث لجيوش نابليون المندحرة. وتحوّل استخدام الكلمة في فرنسا، بعد تلك الغزوة لتدلّ على الهزيمة الساحقة المترافقة مع الفوضى. هكذا مثلا جرى استخدام تعبير بيريزينا لتوصيف الهزيمة الشنيعة التي مني بها الفريق البرازيلي لكرة القدم في بطولة العالم خلال الصيف الماضي ضد ألمانيا بسبعة أهداف مقابل هدف واحد.

وبيريزينا هو عنوان كتاب الباحث الفرنسي والمؤلف المعروف في مجال أدب الرحلات سيلفان تيسّون. وهو يعود فيه إلى الانسحاب المأساوي الذي عرفته جيوش نابليون في عام 1812 بعد تمكّنها من احتلال موسكو.

هذا الكتاب هو أيضا ثمرة المغامرة المجنونة لمؤلفه، المعروف أنه أحد اشهر الرحّالة الفرنسيين المعاصرين، عندما قام من جديد بسلوك نفس المسار الذي قام به جيش نابليون المهزوم قبل مائتي سنة. وكان برفقته جغرافي فرنسي ومصوّر وصديقان روسيّان.

أمّا الأدوات المستخدمة فتمثّلت في درّاجات تقلّ راكبا مقطورا إلى جانب السائق ــ تبدو صورتها على غلاف الكتاب ــ وهي «سوفييتية الصنع» و«بدائية» المحرّكات من طراز «اورال» والتي يصفها المؤلف بـ«القديمة والخطيرة» حيث إن السرعة القصوى التي يمكن أن تصل لها 80 كيلومتلرا في الساعة وكان من بين المتاع أيضا بعض كتب التاريخ.

المسافة التي تمّ قطعها بلغت 4000 كيلو متر وجرت المغامرة في فصل الشتاء، تماما في نفس الفترة التي «انسحبت» فيها جيوش نابليون، وتمّ التوقف حيث توقفت الجيوش وفي الأمكنة التي جرت فيها المعارك.

ومما يثير الكثير من المتعة في قراءة هذا الكتاب هو أن القارئ «ينتقل» عبر ما يكتبه المؤلف من شتاء يعود إلى عام 1812 إلى شتاء آخر بعد 200 سنة. وكذلك تصبح «أليفة» صور الفرسان على ظهور خيولهم المنهكة عندما كانت تخوض في ثلوج روسيا بصمت. يكتب المؤلف: «إن صمت الحيوانات هو التعبير المزدوج لكرامتها ولعارنا».

وإذا كان مؤلف هذا الكتاب يعود بالذاكرة إلى أحداث جرت قبل قرنين من الزمن فإنه يولي اهتماما كبيرا للمقارنة بخصوص العديد من المفاهيم التي كانت سائدة لدى «جيوش الامبراطور» وما هو سائد حيال نفس المفاهيم في فرنسا اليوم.

هكذا يشرح «سيلفان تيسون» أن أولئك الجنود المنكفئين لم يكونوا يتصرّفون كـ«أفراد» لا يهمهم سوى مصيرهم الشخصي. ولكنهم كانوا يجدون أنفسهم وهويتهم من خلال المجموعة التي ينتمون لها. وقد كانوا بالتالي مستعدين لتقديم حياتهم من أجل «فكرة الإمبراطورية» التي كان يمثّلها نابليون.

أمّا اليوم فقد غدا الفرنسيون، كما يراهم المؤلف، مجرّد أفراد ليس هناك إمبراطورية تهمّهم سوى «إمبراطورية الذات الفردية» المغرقة في أنانيتها وفرديتها. ولا يتردد في القول إن الفرنسيين لا يشكّلون اليوم «شعبا» يقوم على «رغبة العيش المشترك». ولكنهم بالأحرى «تجمّع من الأفراد» الذي يعتقد كل فرد فيه أن «حدود الأفق تنتهي عنده».

ما ينبّه له، ومنه، المؤلف هو أنه ليس من المناصرين «بلا تحفّظ» لنابليون فهو الذي كان وراء إشعال الحروب في أوروبا وهو الذي «أدمى فرنسا كثيرا» بما دفعته من حياة أبنائها خلال الغزوات النابليونية في جميع الاتجاهات.

Email