الرحيل من أجل «الثروة في الأرض الموعودة»

بين عالمين.. كيف أصبح الإنجليزي أميركياً؟

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

غدت اللغة الإنجليزية وثقافتها، بنسختها الأميركية، هي التي تسود المسرح العالمي اليوم بامتياز. والجميع يدركون أن هذه العالمية بالنسبة للغة الإنجليزية أساسا وما تحمله من بعد ثقافي واجتماعي أتت بالأحرى من «البوّابة »الأميركية.

ذلك أن هذا الانتشار الواسع تواكب في واقع الأمر مع صعود الولايات المتحدة الأميركية على المسرح العالمي، وخاصة بعد أن غدت إحدى القوتين العظميين، إلى جانب الاتحاد السوفييتي السابق، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

لكن يبقى هناك سؤال أوّلي أساسي هو: كيف أصبح الإنجليزي أميركيا؟. هذا السؤال بالتحديد هو العنوان الفرعي لكتاب «مالكولم غاسكيل»، أستاذ التاريخ الحديث في جامعة «شرق انجليا» البريطانية، الذي يحمل عنوان «بين عالمين».

إن المؤلف يؤرّخ في هذا العمل لما يصفه بـالملحمة« المتــــمثّلة في المسار الذي عرفه »المستوطنون الإنجليز الأوائل الذين حملوا معهم الثقافة واللغة الإنجليزية إلى «العالم الجديد»، أميركا، منذ بدايات القرن السابع عــــشر حتى اليوم. وعبر التأريخ لـ«مغامرتهم» وكيفية «استيطانهم» في القارّة الأميركية يتم أيضا التأريخ «للذهنية والثقافة الإنجليزية ــ الأميركية» في المرحلة الجنينية لقيام الــــولايات المتحدة نفسها.

يتم ذلك في عشرين فصلا تبدأ بـ «العقول البطولية» ثم شرح كيف قرر بضع مئات الآلاف من البريطانيين والأيرلنديين اجتياز المحيط الأطلسي ثم مغامرة استيطانهم مرورا بثلاث مراحل كبرى عرفها القرن الأول من وجودهم هم وأبنائهم. ويجمل المؤلف تلك المرحل تحت ثلاثة عناوين للأقسام الثلاثة التي يتألف منها الكتاب وهي «المزارعون» و«ناشرو العقائد» و«المحاربون».

وفي مجمل الفصول يشرح المؤلف أن أولئك الرجال والنساء من الإنجليز الذين تركوا بيوتهم كي يقيموا في «فيافي» انجلترا الجديدة وفرجينيا وغيرها من مناطق الشاطئ الشمالي للمحيط الأطلسي كانوا يبحثون عن «الثروة في الأرض الموعودة وراء البحار».

يعود «مالكولم غاسكيل» في البداية إلى مطلع القرن السابع عشر عندما عبر «حوالي 350000 إنجليزي المحيط الأطلسي كي يصبحوا مستوطنين فيما سيسمّى لاحقا أميركا». كان أولئك المغامرون يعتبرون أنفسهم في الأرض الجديدة التي وصلوها بمثابة «إنجليز» وأنهم ينتمون للوطن «الإنجليزي» مع نزعة «استقلال» تعاظمت مع مرور الوقت.

ويشرح المؤلف أن الكثير من الدفعات الأولى من الأوروبيين، وبالتحديد الإنجليز، كانوا من ذوي «النوايا الطيبة» الذين لم يكونوا يعرفون ما ينتظرهم في الأرض الجديدة. ولم يكونوا يدركون تماما كيف وجدوا أنفسهم على ظهر سفن ستقلّهم إلى «الأرض البعيدة»، «المتوحّشة».

إن تحليلات الكتاب تذهب عامّة باتجاه التأكيد أن ثقافة «المستوطنين» الذي قدموا إلى «العالم الجديد» من بريطانيا تباعدت شيئا فشيئا عن «الثقافة الأم».

ذلك تحت ضغط التحديات الكبرى في المراحل الأساسية التي عرفتها الفترة «الجنينية» لما سيغدو الولايات المتحدة فيما بعد. ويكرّس المؤلف العديد من الصفحات للحديث عن المعاناة الكبرى التي عاشها قسم كبير منهم بحيث وصل الأمر بهم إلى «شرب مياه الأنهار الزاخرة بالوحل وبالقذارة».

وفي المحصّلة يشرح المؤلف أن «نمط الحياة في إنجلترا» كان غائبا إلى حد كبير في «المستعمرات» بأميركا. ولكن ليس «البعد اللغوي والثقافي» الذي بقي بمثابة «الخيط الرفيع» الذي ربط إنجليز أميركا بـ «وطنهم».

ومما ساعد على الإبقاء على العلاقة مع «الوطن الأم» هو أن الدفعات التالية من المهاجرين نحو العالم الجديد كانوا من «أصحاب المشاريع» الذين اعتبروا أنفسهم بمثابة «صلة وصل» مع المستوطنين الذين سبقوهم.

ما يشرحه مؤلف هذا الكتاب هو أن هؤلاء هم الــــذين أقاموا «انجلترا صغيرة» في أميركا انطلاقا منها قامت عبر توحيد عدّة مستعمرات الولايات المتحدة الأميركية وتحوّلوا هم أنفسهم على مدى أجيال إلى «أميركيين»، وغدت اللغة الإنجليزية لاحقا هي لغة «أميركا الشمالية» وحامل ثقافتها ذات اللون الأميركي، وانطلاقاً من أميركا غدت اليوم ثقافة عالمية بامتياز.

Email