إرث تاريخي عريق وهشاشة معاصرة تهدد حضورها وتأثيرها

جسد المزرعة ونبض الحياة.. الأرياف الفرنسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

كاتبة ومصورة، فرنسيتان، قطعتا مسافة تزيد على 6000 كيلومتر في الأرياف الفرنسية، على مدى ستة أشهر، من أجل التعرّف على هذه الأرياف ومقابلة الفلاّحين وسكان القرى والمزارع.. وتقاسم الكثير من اللحظات معهم ومقاسمتهم وجباتهم الغذائية والتعريف بها.. وبهم، الى القراء في ما بعد. وهكذا كان هذا الكتاب الذي يحمل عنوان "جسد المزرعة ونبض الحياة".

كتاب عن الأرياف الفرنسية التي هجرها في العقود الأخيرة، الكثير من سكانها باتجاه المدن، حيث فرص العمل أكثر. وهو ثمرة اللقاءات الكثيرة بين المؤلفة والمصوّرة مع سكان هذه الأرياف الذين رووا لهما ما يجول في أعماقهم، متحدثين عن مدى تعلّقهم بمزارعهم. ولكن أيضاً، عن قسوة مهنتهم. وبالمقابل شغفهم بإنتاج أفضل المواسم؛ وفي جميع الحالات: اعتزازهم بالعمل المتقن.

ومن الميزات الأساسية التي يؤكد عليها الكتاب، روعة ذلك الفن المعماري الأرياف الفرنسية، الذي يتكرر إلى هذه الدرجة أو تلك، في مختلف القرى والمزارع. وفيها كلّها يبدو واضحاً وزن التاريخ والجغرافيا. ومنها كلّها تفوح رائحة فرنسا العميقة.. وذكريات أدبائها الكبار، من أمثال رابليه ولافونتين وجان جيونو.. وغيرهم ممن كانت الأرياف أحد مكونات أعمالهم.

إن المساهمتين في الكتاب، نصوصاً وصوراً، تذكّران الفرنسيين في هذه المرحلة من الغزو الصناعي لكل مظاهر الحياة العصرية، وذلك خاصة بمظهرين أساسيين من الحياة الريفية اليوم. المظهر الأول هو عبقرية هذه الحياة بما تختزنه من التاريخ الممتد على قرون طويلة. والمظهر الثاني يتمثّل في القدر الكبير من "الهشاشة" التي تعاني منها الحياة في الأرياف، في إطار مجتمع يتعاظم عدد سكان المدن فيه. وهذا على الرغم من موجة الهجرة المعاكسة المحدودة من المدن نحو الأرياف، بفعل أزمات السكن وغيرها.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن وزير الزراعة الفرنسي "ستيفان لوفول" هو الذي حرر مقدّمة الكتاب. وهو ينهي مقدمته بالجملة التالية: "اليوم، أكثر من أي وقت مضى، في عالم متعدد وغير مستقر ومجزأ ومعولم، من المهم معرفتنا بتراثنا وبجذورنا، بعيداً عن أن تكون مصدراً للانكفاء في مجال الهوية. فتلك المعرفة ربما تتيح لكل منّا أن يحدد موقعه، وأن ينفتح على الآحر والحوار معه".

وترى المساهمتان في هذا العمل، أن التعرّف على التراث من خلال ما تكتنزه الأرياف منه، يشكّل وسيلة للتعرّف على التحديات التي يواجهها عالم الأرض والزراعة في فرنسا حالياً. وهما تعطيان لبحثهما أبعاداً تاريخية وجغرافية، ولكن أيضاً وخاصّة، تبينان الكيفية التي رسم على أساسها الأجداد مشهد البلاد، وكيف ساهم هذا المشهد بدوره، في صياغة "طريقة تفكير ومزاج" الفرنسيين.

وتشدد المساهمتان في الكتاب، على أنه من الأهمية بمكان محاولة معرفة "قراءة الأرض"، من أجل التعرّف على الحضارة الريفية. فهذه الحضارة ضاربة في عمق التاريخ الفرنسي، بل هي أحد محركاته التاريخية.. ومن خلال النصوص والصور تبرز في المشهد الريفي، لحظات من عالم رائع لا يريد أن يموت.

الأرياف الفرنسية، كما تقدم، هي المكان الذي يلتقي فيه "الماضي العريق"و"الطبيعة الرائعة"، وحيث تشعّ من خلال الألوان والأشعة.. وكل ما فيها من تمازج وتضاد وتنوّع: "روح فرنسا".

يُمثّل الكتاب، في أحد وجوهه، نوعاً من الدليل للتعرّف على المناطق الريفية الفرنسية، في 22 محافظة اعتماداً على ما تنتجه. وفيه تتحدث المساهمتان عن الخضار الطبيعية البعيدة.. عن استخدام أية أسمدة كيماوية. وعن كل عمليات التهجين في منطقة الألزاس، وعن المنتجات والمحاصيل.

 وتتطرقان أيضاً، الى "كنوز" الأرياف الفرنسية الثمينة، والتي تجدانها تواجه غزو المنتجات القادمة من كل أصقاع الأرض، خاصّة اعتباراً من مطلع عقد الثمانينيات في القرن الماضي. وهنا تطرحان السؤالين التاليين: كم من الوقت ستستطيع "الكنوز" الريفية الفرنسية الصمود؟. وكم سيستطيع هؤلاء الرجال والنساء تحمّل الضغط الاقتصادي والإداري، قبل أن يعلنوا استسلامهم؟ وهل ستغدو وقائع الحاضر، الصعب حالياً، بمثابة ذكريات الماضي في المستقبل غير البعيد؟

 المؤلفتان في سطور

 ميشيل فيلمور. كاتبة فرنسية متخصصة في المسائل المتعلّقة بالبيئة. تساهم بالكتابة حول الموضوع في العديد من الصحف والمجلاّت.

وارمانت بوجيه. مصوّرة عرف الكثير من تحقيقاتها المصوّرة طريقه إلى النشر. اشتركت في العديد من المعارض، على الصعيدين الفرنسي والأوروبي.

الكتاب: جسد المزرعة ونبض الحياة

تأليف: ميشيل فيلمور، ارمانت بوجيه

الناشر: فرانس اغريكول- باريس- 2013

الصفحات: 288 صفحة

القطع: المتوسط

 

 

Corps de ferme et cدur de vie

Michèle Villemur, Amarante Ouget

France agricole - Paris- 2013

288 pp

Email