وُلد بيير رابحي عام 1938، في إحدى البلدات الصغيرة، قرب مدينة "بشّار" في جنوب الجزائر. وتوفيت والدته وهو في سن الرابعة. وعُهد به، عندما كان في الـ14، لأسرة فرنسية انتقل معها إلى فرنسا. وعندما اندلعت حرب التحرير الجزائرية عام 1954، وجد نفسه في نزاع مع والده المؤيد للثورة، ومع والده بالتبنّي الذي طــرده من المنزل عند بداية الحرب الجزائرية. فما كان منه إلا أن قرر التوجه إلى باريــس للإقامة فيها.

عاد بعد ذلك إلى الأرض برفقة زوجته: "ميشيلا"، إذ قررا التخلّي عن الحياة في المدينة بصورة نهائــية. وهكذا وجد نفسه في منــطقة "ارديش" الفرنسية منذ بداية عقد الستينات في القرن الماضي، واكتسب بعد فترة تدريب استمرت ثلاث سنوات، مهارات مهنة "فلاّح"، ويصف نفسه أنه كان "فلاّحاً من دون حدود".

ودفعت خبرته والتزامه بالأرض الأمم المتحدة، للاستعانة به من أجل صياغة "اتفاقية مكافحة التصحّر". تلك هي بعض المعلومات التي يقدمها بيير رابــحي في مطــلع كــتابه الجـديد الذي يدعو فيه لـ"التقشّف السعيد".

كما يدل عنوانه. وهو يناقش فيه الفكرة القائلة، إن "النموذج - الموديل - السائد في مجتمعات اليوم، يدفع إلى الإحساس بنوع من عدم الرضا وعدم الإشباع". وفي مقابل هذه الفكرة، يؤكد أن هناك إمكانية لبناء مجتمعات من نمط آخر "مجتمعات تتأسس على الاستقلال الذاتي وعلى احترام البيئة وأخــيراً عــلى مبادئ النزعة الإنسانية".

ومفهوم "التقشّف السعيد" الذي يدعو إليه بيير رابحي، يقوم بشكل أساسي على "العودة إلى الأرض القادرة على تأمين الغذاء". وبالتوازي مع هذا، إعادة بناء الروابط الاجتماعية بمواجهة مجتمع الجموح الذي أعطى للمال سلطات كاملة. والعلاج الذي يقترحه المؤلف لمواجهة الجنوح السائد، يتمثل في تبنّي مفهوم "الاكتفاء الذاتي" والتقشف وتشجيع فضيلة الاعتدال في كل شيء.

إن تحليلات الكتاب، تحتوي الكثير من أشكال التحذير ضد النمط الاجتماعي السائد، والذي يصفه المؤلف بـ"المجتمع المصاب بالإفلاس". ويوجه المؤلف نقده الشديد إلى واقع أن الكثير من مدن العالم اليوم، خاصة الكبيرة المكتظّة بالسكان، تؤمّن قسماً كبيراً من منتجاتها الغذائية، عن طريق الاستيراد من أمكنة تقع أحياناً على بعد آلاف الكيلومترات.

وهذا في الوقت الذي يؤكد فيه أهمية الاعتماد على المنتجات المحلية، وضرورة العمل على إيجاد "دورات استــهلاك محلية"، بمعنى التأكيد على أهمية القرب الجغرافي بالنسبة لـنوعية المنتجات المكرّسة للتغذية.

و"العودة للأرض" في منظور تحقيق حالة من "التقشف السعيد"، تسير في الاتجاه المعاكس لواقع المجتمعات الحديثة التي تعطي ألامل لما هو مباشر وآني، الأولوية على كل ما يعزز الروابط الاجتماعية. هذا على عكس الصورة التي كانت سائدة في المجتمعات المسماة "تقليدية".

الدعامة الثانــية لفــضيلة "التقشّف" وجدها في مفهوم "الحدّ من النمو الاقتـــصادي". ذلك أن الإصرار على الوصول إلى اللامحدود في كل شيء، لا بد أن يؤدي إلى خسارة البشر، الـذين يعيـــشون في منظومة محدودة.

أما مصدر "السعادة" فيجده المؤلف في القناعة بالاكتفاء في القليل، وليس البحث دائماً عن الحصول "على أكثر". وفي إطار المجتمعات القائمة، يحس الإنسان دائماً أنه "يعاني من النقصان". لكن هذا يعني نسيان حقيقة مفادها، أن الإفراط في الوفرة لا يعني أبداً "قدراً أكبر من السعادة". من هنا يعني "التقشّف السعيد"،

فيما يعـــنيه، أن يتم "إشباع الحاجات بالسبل الأكثر بساطة والأكثر صحيّة". ثم بمقدار ما يلوّث البشر الطبيعة والأرض يساهمون في تلويث صحّتهم.

يشار إلى أن أعطى للمال سلطات كاملة. والعلاج الذي يقترحه المؤلف لمواجهة الجــنوح السائد، يتمثل في تبنّي مفهوم "الاكتــفاء الذاتي" والتقشف وتشجيع فضيلة الاعتدال في كل شيء.

 المؤلف في سطور

 بيير رابحي. فلاّح وكاتب ومفكر. وهو أحد روّاد الزراعة غير المهجّنة "الإيكولوجية" في فرنسا. التزم منذ 40 سنة في جميع المعارك والحملات، دفاعاً عن الإنسان وعن الطبيعة. من مؤلفاته: حارس النار، اللجوء إلى الأرض.

 الكتاب: نحو التقشّف السعيد

تأليف: بيير رابحي

الناشر: اكت سود - باريس - 2013

الصفحات: 144 صفحة

القطع: الصغير