ثلاثيات ورباعيات تتراقص على حلم الوطن

«لن أغادر منزلي».. حب وانتماء

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقول سليم بطي في روايته الأولى «لن أغادر منزلي»: «في البدء كان الاسم بضعة أحرف: صوت، يطلقونه عليك فترث معه جعبة كاملة فخّخها الحب والانتماء؛ للعائلة وللوطن، للمدرسة وللشجرة الهرمة أمام المنزل، لرائحة الجدّة ولصورٍ عائليّة بالأبيض والأسود. في البدء كانت الهويّة، وصمة، لعنة، فرزاً بيولوجيّاً ظرفيّاً واعتباطيّاً لكائن يتنفّس للمرّة الأولى، يبكي للمرّة الأولى في موقفٍ هو الأصدق أمام فوضى الوجود».

هوية

يحمل بطل هذه الرواية أوطاناً كثيرة، ووجوهاً أكثر. فهو عربيٌّ وليس عربيّاً؛ بل إنّه الأكثر عروبةً، والأكثر لبنانيّةً؛ فمن بين كلّ الأوطان كان البلد الذي اختار أن يكون ممتلئاً بتناقضات وأهوال لم يُجبَر عليها. ومع ذلك ظلّ مريضاً بحبّه. والآن هو ابن الأوطان كلّها؛ فكلّ المنازل منازله، ولا منزل له. ميناؤه الوحيد حنان جدّةٍ غابت، وروحه مستمدة من اسمه الأول، وهويّته الأولى تأبى إفلات تلابيبه مهما جال في مدن العالم.

قسم الروائي سليم بطي فصول روايته في لونية شاعرية فذة إلى رباعيّة وثلاثيّتين على النحو الآتي: رباعيّة الجنين الملثّم، ما الذي يلثّم الجنين ويشوّه ولادته «كواليس مسرحيّة فودفيليّة»، التي تمثل على خشبتها أدوار الألم والمرارة التي لم تنقطع. وهنا ترى بين السطور عناء تهجير، وأعراس دم، وجوع.. ويتجلى بين السطور مشاهد الجالسين على عتبات المنظّمات «الإنسانيّة» والسفارات، طلباً للمعونات واللجوء.. ومن طفولة مسلوبة، إلى عنصريّة تتدلى فصولها في مشهد عبثيّ تحت شمس حارقة تبدو في كواليس تلك المسرحية معاناة الممثّلين الذين أبوا إلا أن يتقنوا أدوارهم تحت أي ظرف كان.

هجر

يتواصل السرد في الرباعية الثانية: «مستمسكات الخيبة» التي تعج بالمشاهد المتصاعدة الأحداث والتي لا تنفصل عن ثنائية الأرض والسماء والخيبة والهجر المعتَّق بالحنين إلى الأرض والحضن الدافئ والذكريات بحلوها ومرّها. هذه المشاهد تفرض نفسها على جسد الرواية وشخوصها الذين عبر عنهم الكاتب في مقدمة الرواية بأنهم أشخاص حقيقيون.

ومن خلال الرباعية الثالثة «صفعة أمومة» يصف الروائي الأرض بأنها أم تحتضن من يعيش فيها وتلفظه أحياناً في قمة الإبداع اللغوي والتلاعب الحذق بالمفردات مثل قوله: «عندما أجهضت السماء قنابلها وغرقت الأرض بالدماء».

ثلاثية

أما فصل «مطرقة القاضي» الأول: «عندما تغنّي الدموع»، فيصف تراقص غربان الحرب وخيباتها التي شرّدت اللبنانيّين، رافعاً من خلاله قيمة السلام والحب مهما علت أصوات الظلاميين.

الكتاب:لن أغادر منزليالمؤلفة:سليم بطّيالناشر:دار نوفل، دمغة النّاشر هاشيت أنطوان - 2018الصفحات:216القطع:المتوسط

Email