مسرحية ألهمت المبدعين في فترات مختلفة

«رحلة هاملت».. أمير شكسبير برؤى عربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في ستة فصول، تبحث وتلاحق الكاتبة «مارجريت ليتفين» ارتحالات مسرحية «هاملت» لشكسبير في الثقافة العربية منذ تمَّ ترجمها إلى لغتنا. وتعتبر المؤلفة أنَّ (الهاملتات) الذين نقابلهم في البلاد العربية مختلفون، فقد نشأوا وهم يلعبون مع العديد من أبناء عمومتهم من أميركا وأوروبا وروسيا، ولكنَّهم يتميزون بخبرات وشواغل مختلفة.

وتتساءل: لماذا نتتبَّع هاملت، بصورة خاصة عبر العالم العربي؟ وتجيب: لأنَّه يمثِّل كثيراً من الناس الذين لديهم أشياء يقولونها، فقد استضافه مخرجو المسرحيات وكُتّابُها في عملهم الإبداعي، مبينة أنَّ الشغل الشاغل لهاملت يتمثَّل في مشكلة القوَّة التاريخية الفاعلة؛ فهو يتساءل ما معنى «أن تكون» بدلاً من «أن لا تكون» في عالم حيث الزمن مضطرب.

وبالرجوع إلى تاريخ المسرح، سوف نجد أنَّ ربط هاملت بالقوَّة السياسية الفاعلة ظلَّ مستقراً بصورة ملحوظة عبر خمسة عقود، ومع هذا استخدم الكتَّاب والمخرجون هاملت في مطاردة أنواع مختلفة من القوى الفاعلة في فترات مختلفة وبطرق متباينة.

ويمكن تقسيم اهتماماتهم بمسرحية (هاملت) إلى أربع مراحل: المعايير الدولية 1952- 1964، العمق النفسي 1964- 1967 التحريض السياسي 1970- 1975، والسخرية الدرامية التناصية 1976- 2002.

ولأنَّ المسرحيين العرب يرون عملهم سياسياً بالضرورة، ولأنَّ "هاملت" تُقرأ على أنَّها مسرحية سياسية، فقد توافقت هذه المراحل مع الأمزجة السياسية السائدة. وتستنتج المؤلفة مارجريت ليتفين أنَّ إرث جمال عبد الناصر شكَّل الكثير مما يهم الانحياز العربي لمسرحية «هاملت» في فترة ما بعد الكولونيالية. ف

في يناير من عام 1935، وفي مدرسة النهضة بالقاهرة، مثَّلَ جمال البالغ من العمر ستة عشر عاماً الدور الرئيس في مسرحية شكسبير «يوليوس قيصر» بحضور نجيب الهلالي وزير التعليم، ولعب عبد الناصر دور الديكتاتور الروماني باعتباره النموذج الأصلي للبطل الشعبي، مُحرِّر الجموع، المُنتصر على بريطانيا العظمى. وتستطرد الباحثة بأنَّ كُتَّاب المسرح كافحوا لخلق نماذج درامية ممثلة للفعل السياسي الحقيقي. وهذا تطلَّب بدوره خلق شخصيات عميقة بما يكفي لتتأهل باعتبارها موضوعات أخلاقية ناضجة وبالتالي فاعلة سياسياً ومعاصرة، وهنا لا يزال هاملت هو المعيار الذهبي.

وتشير الكاتبة إلى أن الاقتباسات من تلك المسرحية قد خبا ضوؤها بعد حرب يونيو 1967، لتظهر مسرحيات عربية من سوريا والأردن ومناطق أخرى. فالهزيمة غيَّرت بشكل جوهري مفاهيم العرب عن الدور السياسي للمسرح، فصار هاملت السبعينيات في كل من مصر وسوريا «تشي غيفارا» ولكن في ملابس مدنية.

من جانب آخر كان هناك كتَّاب مسرحيون على دراية بأعمال أسلافهم التي جسَّدت شخصية هاملت الملحمي وحوَّلته إلى سيف من أجل أبطالهم عديمي الجدوى والعاجزين بوضوح عن التعبير. هذه الشخصيات الجديدة الجبانة ليست الأمير هاملت، ولا كان من المفترض أن تكون هو، فمعظمهم تنقصه فصاحة «بروفروك»، وفي هذه الأثناء يصبح «كلاوديوس» متلوناً وذا قوَّة قادرة ومؤثرة.

Email