«الكتابة في زمن الحرب».. لا شيء يعلو فوق صوت الإبداع

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد مُضي أكثر من عقد على رحيل الكاتب اللبناني عصام محفوظ، عملت دار نلسن في بيروت على إصدار خمسة كتب له، كان محفوظ قد تركها مُسودات مخطوطة في أدراج مكتبته، وقد حافظت الدار الناشرة على إخراج الكتب بالخط والشكل الذي أراده محفوظ.

ومن النتاجات الفكرية التي خلفها محفوظ، نلقي الضوء على مؤلفه «الكتابة في زمن الحرب».

الذي يشتمل على خيط واحد يجمع بين فصول الكتاب، ينسلّ من قماشة الحرب اللبنانية، التي تركت بصماتها على نتاج العديد من الإصدارات الشعرية والروائية والمسرحية، فيتناولها محفوظ بذائقته الساخرة وبيانه الذي يجمع بين مخزون ثقافي لافت ودربة في الكتابة التي حصلها من قراءاته ومتابعاته لمشاغل الثقافة وهمومها.

وتحت عنوان «التفتيش عن الزمن الضائع» يدرج محفوظ مجموعة مقالات يتناول فيها هموم المثقفين ومشاغلهم.في «محاورات بلا نهاية (1982 ـ 1985)» نوع من المونولوغ الذاتي، يتنوع فيه الحوار ويتصالب عمودياً وأفقياً، ويتناول في مترادفاته دور المثقف مما يجري من عنف متماد، حيث شهدت تلك الفترة اجتياح إسرائيل للبنان ووصلت دباباتها إلى بيروت.

ولا يضير محفوظ تخبط الفرد ودأبه للخروج من المازق، فهذا برأيه أفضل من استخدام الشعارات الزائفة التي «أوصلنا بعضها إلى الكارثة»، في مرحلة بدا فيها الانتظار أكثر مأساوية وتعقيداً.

ويتساءل في «أسبوعيات المراوحة 1985- 1990» إن كان ثمة دور للمثقف، الذي لا يعمل لطائفته أو لحزبه أو للدول المعنية، أو لنفسه، أو لبقايا السلطة التي تزداد شراسة وحيلة. وتالياً كيف يمكنه اختراق هذه الدوائر الدموية وتجاوز «الخطوط الحمر.. على كل مُفترق وسط تشابك المصالح الوطنية وتناقضاتها المنظورة والخفية؟».

وسمة مقالات هذا الفصل تناولها قضايا الساعة، فتتعدد موضوعاته لتشمل عناوين ومستجدات تلك المرحلة. فيتحدث عن دور المثقف وعن التضليل الإعلامي، وعن استهداف المبدعين وتصفيتهم... عن الحريات المصادرة والديموقراطية المطعون فيها.

ويتناول في فصل لاحق «عن بعض الإبداع في الحرب» والذي يشغل عدداً لا بأس من صفحات الكتاب أبرز الأعمال المسرحية والسينمائية التي قدُمت في تلك الفترة على مسارح بيروت، في الوقت الذي كانت فيه هذه المدينة ساحة متفجرة وخطوط تماس تفصل بين المتقاتلين من أبناء الوطن الواحد ومن المتواجدين على أرضه.

فيعرض لأهم ما تضمنه شريط السينمائي اللبناني مارون بغدادي «كلنا للوطن» الذي شكل وثيقة منتزعة من الواقع الجنوبي تُدين البربرية الصهيونية في زحفها على الجنوب.

في الفصل الأخير من كتابه يُدرج المؤلف، حواراً متخيلاً، تجاذب طرفيه كاتب لبناني مُهاجر وقارئ عربي مهاجر، من خلاله يطلق مواقف ذات أبعاد فكرية وفلسفية تتناول شذراتها مفاهيم الثقافة والحرية والنزاعات المؤلمة التي تتركها الصراعات الدامية تحت شعارات زائفة، والكتابة باعتبارها سعياً حثيثا للوصول إلى الحقيقة، والحياة التي يقول عنها «إنها ليست سيئة إلى هذا الحد، إنها جميلة لولا بعض العقول الشريرة. بل إنها أكثر جمالاً مما تظن».

الكتاب: الكتابة في زمن الحرب

المؤلف: عصام محفوظ

الناشر: دار نلسن ـ بيروت 2018

الصفحات:

210 صفحات

القطع: المتوسط

Email