«المخلص دوماً.. فنسنت» مختارات من رسائل فان غوخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

يمثل كتاب «المُخلِص دوماً.. فنسنت» مختارات تضم 265 رسالة، من أصل 903 رسائل كان قد أرسل معظمها الرسَّام الهولندي فينسنت فان غوخ (1853- 1890)، إلى شقيقه ثيو، وشقيقتيه، ووالديه، وبعض أصدقائه مثل: أنطون رابارد، وبول غوغان. إضافة إلى 108 اسكتشات وصورة. فنرى فيها الفنان كوخ بقدر ما كان يتمسَّك بالزمان والفعل، وهو يرسمُ ألمه في أنَّ الموت هو الذي أوجدَ الحياة، بقدر ما كان يرسم خلوده وهو يثقب الإطار الفولاذي لهذه الحياة.

يُلاحظ في الرسائل أنَّ فان غوخ مثلما هو رسامٌ، فهو أديب أيضاً يفتح الباب المُغلق على الحياة. يقول في رسالته من إنجلترا إلى أخيه ثيو في مايو 1876: «على اليمين ثمَّة حقول لقمح أخضر، وعلى البُعد تبدو المدينة بأبراجها وطواحينها وأسقُفها القرميدية والبيوت قوطية الطراز، وفي الأسفل، كان المرفأ بين الرصيفين ينفتح على البحر، فيما يشبه المدن التي كان يصوِّرها ألبرشت دورر في أعماله الحفرية. وفي رسالة أخرى كتبها من بلجيكا إلى شقيقه ثيو، في أبريل 1879، نرى عواطفه النبيلة كما لو أّنَّها قد تنفجر من غضبه لأشكال المعاناة التي يعيشها عمَّال المناجم فيما يشبه الصرخة: عزيزي ثيو، ذهبتُ في رحلة مثيرة جداً منذ فترة قصيرة، إذ قضيتُ ست ساعات في أحد المناجم. في واحدٍ من أقدم وأخطر المناجم في المنطقة واسمه ماركاس، إنَّه منجمٌ ذو سمعةٍ سيئة، ماتَ فيه الكثيرون سواءً وهُم يهبطون أو وهُم يصعدون.

بالمقابل كان الفنان غوخ يُريد أن يعرف كيف يبدو في عيون الناس؟، فيتساءل في إحدى رسائله: أهو شخصٌ نكرة، أم أنَّه غريب الأطوار، أَمْ هو شخصٌ كريهٌ مزعج، شخصٌ ليست له مكانة في المجتمع ولن يحصل عليها أبداً، بل إنَّه في أسفل سافلين. وعن خلافه مع والده وهو قسُّ كنيسة هولندية، وعن سبب طردِه لهُ، وفق رسالة كتبها إلى شقيقه وبعثها من هولندا في ديسمبر 1881.

بدأ فان غوخ الرسم بلوحة «آكلو البطاطا» وهي الأولى له، ورسمها في أبريل 1885. على إثرها نال التشجيع غير أنَّ صديقه الفنان أنطون رابارد انتقدها بقسوة ما أدَّى إلى نهاية صداقتهما. تابع الرسم بعدها وبلغت أعماله حوالي 900 لوحة لم يبعْ منها سوى لوحة واحدة هي "كرم عنب أحمر" عام 1888 وذلك قبل عامين من موته. أما حياته العاطفية فقد كانت بائسة وتلقى فيها أكثر من صدمة، الأولى كانت من "أورسولا لوير" التي أُعجب بها فقابلته بالصدِّ والجفاء ودفعته لأن ينصرف إلى العبادة والتديّن. والثانية كانت من قريبة له كورنيليا فوس ستريكير "كي" التي اشتغل قلبه في حبها فرفضته كما رفضهُ والدها، فقرَّر فان غوخ وَضْعَ يدهِ على قُمع مصباحٍ زيتي ليحرق نفسه متعمِّداً قائلاً: اجعلوني أراها قدر ما أستطيعُ وضعَ يدي في هذا اللهب. لهبٌ بقي يشتعل حتى بعدما أخذ المسدس وأطلقَ النارَ على نفسه منتحراً، حيث نقرأ الرسالة الأخيرة التي لخَّص فيها فلسفته، ولعلَّها من أكثر الرسائل طولاً والتي تكشف سبب حزنه وألمه.

Email