«السوسن البري».. زهور العمل الجاد والأخلاق الرفيعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تستهل رواية «السوسن البري» موضوع حبكتها بتساؤل جوهري يطرحه المؤلف عبدالغني ملوك عبر شخصية صطام الذي يبادر إلى سؤال أبيه عن معنى اسمه «صطام» ليؤلف رواية كاملة، فصطام على رأي الأب، اسم يدل على العظمة والقوة، ويود الأب من ابنه أن لا يبحث عن معنى اسمه، فالأصل في الإنسان عمله وكفاحه وسمعته وأخلاقه.

الأب كان يعمل في مهنة ترميم البيوت الطينية القديمة، والتي تقلص عددها بسبب هجوم عمارات الأسمنت والحديد، والولد/‏‏ الراوي، يعمل مع والده فيناوله الطين بعد انتهاء دوامه من المدرسة، وإضافة إلى الترميم، كانا يقومان بدحي الأسطح، وعند المساء كان رفيقه الكتاب، لقد أدمن القراءة بشكل مذهل.

وبعد أن نال صطام الثانوية، يقرر أن يدرس الرياضيات والفيزياء في جامعة دمشق، فيسافر إلى العاصمة ويستأجر عند امرأة زوجها سجين سياسي، ولها بنتان، واحدة تدعى ميادة، والثانية تماضر، والاثنتان في الثانوية، الأولى ليست مجبة، وأما الثانية فهي محجبة وتنتمي إلى تنظيم ديني، حيث تعتقل لتلحق بأبيها الذي يتعلم في السجن ويدخل كلية الحقوق، بينما أبو صطام يستلم المكتبة من صهره الذي يعار إلى الخليج، ويتعلم على الحاسوب، ويطوّر مشروعاً فكرياً ويسميه «السوسن البري»، وفي هذا الوقت تخرج تماضر من السجن، ببراءة تامة مما نسب إليها.

الرواية تضم عدداً من الشخصيات في دمشق وحمص، وغالباً ما تسيطر الشخصيات النسائية عليها، وغالباً ما ينتصر عليهن صطام بكفاحه، وسمعته وأخلاقه، فهذه لورا التي يتزوجها، ثم تنسحب منه إلى باريس، وهناك تبني علاقة مع عجوز فرنسي، وتتركه ليتعلق بمارغريت، وهي ابنة رجل غني تدرس الموسيقى في دمشق ـ وحين يخطبها، يجد لها أبوها العراقيل الكثيرة كي لا يزوجها من صطام الذي كان والده يعمل في ترميم البيوت القديمة...

حبكة الرواية مشغولة بعناية، فهي تجرنا، من البداية إلى النهاية، في لحظات تشويق مبنية على هدف يريده الكاتب. فالرواية تريد أن تقول لنا: الإنسان بعمله وأخلاقه، وليس بما ورثه من حسب ونسب. وفي نهايتها نجد أنه يعود صطام إلى حمص، ويطوّر نفسه، فيشقى ويكدح ليصل إلى أعلى المراتب، وخلال ذلك يمرّ على دمشق المدينة الجميلة، فيعيش أحلى الأيام في ربوعها وشوارعها وحاراتها.

صطام درس ووعى واستوعب أيديولوجيا الأحزاب والمعتقدات في بلده، فوجد أنّ كلّ حزب يحمل جزءاً من الحقيقة، وليس كلّها، فيقرر أنّ العبرة ليست بالأيديولوجيا الاجتماعية بقدر ما هي للحامل المخلص الذي ينفذها، وهي بحاجة إلى الأشخاص الأوفياء لتطبيقها، والعبرة بالعمل لا بالكلام.. وأن الواقع يمكن تحميله بالحبّ ليصبح أحلى من حلم، وحين يصبح صطام، بالانتخابات طبعاً، عمدة المدينة، يكتشف أنّ كثيرين ممن يتبجحون بالعفة من أكبر الفاسدين والمتهربين من دفع الضرائب.

ونتبين أن الرواية في مجمل فصولها وأحداثها، تشدد على قيمة أساسية لا بد للمرء من التمسك والاقتداء بها في حال أراد تسطير كتاب مشوار حياته بالنجاحات، وهي العمل المقرون بحسن المسلك والخلق، كون ذلك، لا أية اعتبارات أخرى، ما يجعل الإنسان مؤهلا للتفوق وجديراً بتولي أية مسؤوليات.

Email