مثقف استثنائي شغله إثراء وعي المتلقي

سعدالله ونوس وإعادة تعريف المسرح

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يفتتح الناقد د.رضا عطية إسكندر كتابه «مسرح سعدالله ونوس.. قراءة سيميولوجية»، بتساؤل: ولماذا مسرح سعدالله ونوس؟ مؤكداً أن سعدالله ونوس مثقف استثنائي ومبدع من طراز خاص عمل على إبداع مسرح يطمح إلى إعادة تعريف مفهوم المسرح، مسرح يجدد في قواعد المسرح ويحدث في شروطه وإجراءاته، أيضا إلى تثوير جمهور المسرح والمتلقي.

ورأى أن تجربته مرت بثلاث مراحل مفصلية كبرى، وهي البدايات التي اتسمت بكلاسيكية القالب مع أمشاج من الذهنية والعبثية، ثم المرحلة الوسطى بعد عودته من فرنسا واطلاعه على المسرح البريختي، بما فيه من تغريب، وكانت المرحلة الثالثة والأخيرة حيث مواجهة البحث في الأسئلة الوجودية الكبرى.

ويخصص د. رضا عطية مدخله لإطلالة عابرة على أعمال سعدالله ونوس المسرحية، معرفاً بمراحل تجربته الثلاث مع بيان سمات كل مرحلة وما قد بدا فيها من تطور على مسرحه، وتناول مكثف للرؤى التي تطرحها كل مسرحية.

أما الفصول الأربعة للكتاب فحلل في كل فصل منها نصاً مسرحياً، الأول مسرحية «مأساة بائع الدبس الفقير» والثاني مسرحية «حفلة سمر من أجل 5 حزيران» والثالث مسرحية «الملك هو الملك» والرابع مسرحية «الأيام المخمورة».

وفي تحليله لنص «مأساة بائع الدبس» يرى أن أهم أسئلة المسرح في أعمال سعدالله ونوس الأولى كان يدور حول علاقة السلطة بالمواطن، غير أن تناول ونوس لهذه الإشكالية كان يتوسل بالرمز ويتدثر بالأسطورة، وكانت صياغاته وأجوبته في مسرحياته الأولى تحاول أن تمرر الرؤى السياسية لما هو آني ـ حينها ـ عبر منافذ الأسطوري، فمزجت ما هو عصري بما هو تاريخي، ثم ألبست مسائل العصر حللا تاريخية، وارتدت وجوه النقد الموجهة للسلطة أقنعة الأسطورة، لا سيما الإغريقية، فزاوجت مأساة إنسان العصر بمآسي الأساطير القديمة، كما اتخذت مسرحيات ونوس الأولى، ومنها «مأساة بائع الدبس الفقير»، قالبا أقرب إلى القالب الأرسطي القديم، وإن أمدت التراجيديا بتيارات عبثية ليتشابك ما هو درامي بما هو وجودي، في فترة شهدت مدا جارفا للفلسفة الوجودية التي اجتاحت أمواجها شواطئ الفكر الفلسفي والإبداع الجمالي على السواء.

ويرى عطية في تحليله لمسرحية «حفلة سمر من أجل 5 حزيران»، أن هذه المسرحية مثلت تعديلاً للمسار الذي اتخذه ونوس في سابق مسرحياته، مرتاداً بذلك أرضاً جديدة لم يسبق أن وطئها لينصب فيها خيمة تجريبه الطليعي، منقلباً على شكل مسرحي يراه لم يعد مناسباً لظروف راهنة ـ وقتها على صعيد سياسي وكذلك صعيد التلقي».

ويشير رضا عطية إلى أنه مع عودة ونوس من رحلته إلى فرنسا التي اطلع فيها على المسرح البريختي وعلى تجارب مسرحية طليعية، وأيضاً مع تجرعه ـ والشعب العربي ـ مرارة الهزيمة المؤلمة في يونيو 1967، أدرك ونوس بحس فني ووعي ناضج، لزوم أن يعيد حساباته بخصوص المسرح، حلمه ونافذته التي يتمكن عبرها من رؤية العالم، ويمرر من خلالها تصوراته لهذا العالم. لقد أخذته نداهة التغيير، ليس ترفاً جمالياً أو نزقاً تجريبيا ًمفرغاً من غرض فني، وإنما استجابة لحاجات ملحة وقضايا مستجدة لم يعد المسرح بشكله التقليدي وأبنيته الكلاسيكية قادراً على التعاطي معها، فقد وعى ونوس ضرورة أن يقف موقفاً أيديولوجياً حازماً وواضحاً من أزمة المسرح العربي، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الثقافة العربية المتسمة بالتهميش وفقدان المنهج.

ويؤكد المؤلف أن مسرحية «الملك هو الملك»، والتي جاءت بعد فترة صمت لونوس عن الكتابة استمرت ما يقارب الخمس سنوات، «تمثل خلاصة أفكار ونوس في مرحلته الثانية من الكتابة المسرحية التي بدأت بـ «حفلة سمر من أجل 5 حزيران» لتوجز الكثير من الأسباب الحقيقية للهزيمة.. فكأن ونوس يقلب فكرته على مختلف وجوهها ويفحصها من زواياها المتعددة.

ويلفت الكتاب إلى أن «الأيام المخمورة» عصارة فكر ونوس وتكثف خلاصة تجربته ولتحمل كثيراً من همومه وتبرز هواجسه، سواء على مستوى إنساني وجودي أو وطني قومي، إنه نص يعبر عن صيرورة كاتب كبير تنامت رؤاه وتكاملت صياغاته الفلسفية التي تستوعب عالمه المليء بالفساد والزيف، عالمنا المحفوف بالمعاناة والألم.

الكتاب:

مسرح سعدالله ونوس.. قراءة سيميولوجية

تأليف:

رضا عطية

الناشر:

الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة 2017

الصفحات:

474 صفحة

القطع:

المتوسط

Email