وفاة ابنتها حوّلت حياتها مأساة والكتابة كانت خشبة خلاص عقلها

نزهة في أهم اعترافات إيزابيل الليندي

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تتحدث الروائية التشيلية ايزابيل الليندي في هذا الكتاب الموسوم «شهرزاد أميركا اللاتينية»، عن حياتها وإبداعها ومنفاها وعن الحب.. وعن الكتابة وأحوالها ومكابداتها، وذلك من خلال مقالات وخطب عديدة أدرجتها في فصوله، مشيرة معها إلى أنها صارت كاتبة من خلال حياتها التي تمحورت حول الوجع والفقد والحب والذاكرة. فالوجع والفقد يعتبران أستاذيها، إذ إنهما من يجعلانها أكبر، حيث إن الحب ساعدها على التحمل وأعطاها السعادة، كما تؤكد. أما الذاكرة فهي المادة الخام لجميع كتاباتها.

وتسرد الليندي حياتها بالمنفى بالقول انتهى الجزء الأول من حياتي في الحادي عشر من أيلول سبتمبر عام 1973، في ذلك اليوم حدث ذلك الانقلاب العسكري الوحشي في تشيلي، الذي بات فيه الرئيس سلفادور الليندي الرئيس الاشتراكي المنتخب بشكل ديموقراطي، الأول. في ساعات قليلة انتهى قرن من الديموقراطية في بلدي وحل مكانه نظام الذعر والإرهاب، واعتقل آلاف الناس أو عذبوا أو قتلوا، واختفى كثير منهم ولم تكتشف حتى جثامينهم، فرت عائلة الليندي ومن كان منهم في الخارج لم يستطع العودة، وكنت آخر من غادر، بقيت حتى نفدت قدرتي على الاحتمال، إذ فررت مع زوجي وطفلينا في عام 1975.

وتتابع إيزابيل سردها: ذهبنا إلى فنزويلا، بلد أخضر وكريم، إبان عصر ازدهار النفط، حيث الذهب الأسود يجري في الأرض كنهر غزير لا ينضب، ومع ذلك فشلت في رؤية جمال فنزويلا، كنت مأسورة بالحنين إلى الماضي، أتطلع دائماً إلى الجنوب وأترقب نهاية هذه الديكتاتورية، أخذ مني التغلب على صدمة المنفى سنوات عدة، غير أني كنت محظوظة، إذ وجدت شيئاً ما أنقذني من الإحباط، لقد وجدت الأدب بصراحة، أعتقد أني لم أكن لأغدو كاتبة لولا أنني أجبرت على ترك كل شيء ورائي والبدء من جديد، فلولا هذا الانقلاب العسكري لبقيت في تشيلي وظللت كاتبة صحفية ولربما كنت سأكون سعيدة، أعطاني الأدب في المنفى صوتاً، أنقذ ذكرياتي من لعنة النسيان ومكنني من خلق عالمي الخاص.

وفي فصل معنون بـباولا، تقول إيزابيل الليندي: في شهر ديسمبر من العام 1991، ألمت بابنتي باولا، التي كانت مصابة بحالة وراثية نادرة تدعى البورفيريا، غيبوبة وهي في إسبانيا، جراء إهمال في العناية المركزة نتج عنه ضرر بالغ في دماغها أدى إلى غياب تام عن الوعي، فأخذناها إلى البيت في كاليفورنيا وقمنا بالاعتناء بها حتى توفيت وهي على ذراعي بعد سنة، مثل صراع باولا الطويل مع الموت معاناة شديدة لأسرتنا، وخلال الأشهر القليلة التي تلت وفاتها تحولت أشياء لدينا من سيئ إلى أسوأ. يقال لا يوجد ألم عظيم كفقد طفل، غير أن الأس المشترك لم يكن يقربنا - أنا وويلي (ويلي زوح ايزابيل) من بعضنا، كنا قويين وعنيدين، وأفترض أننا لم نكن لنسمح لقلبينا بأن ينكسرا، أخذنا وقتاً طويلاً وكثيراً من العلاج لنكون قادرين على العناق والبكاء معاً.

وعقب ذلك، تلفت إيزابيل الليندي إلى أنه بعد وفاة باولا كانت الكتابة هي الشيء الوحيد الذي أبقى عليها سليمة العقل، كان الأسى رحلة جحيمية طويلة، كالمشي وحيدة في نفق مظلم، وكانت وسيلتها في المشي عبر ذلك النفق كانت أن تكتب، كل صباح كانت تسحب نفسها من السرير وتتجه إلى المكتب، تضيء الشمعة أمام صورة باولا، تفتح جهاز الكمبيوتر وتبدأ البكاء، كان الألم في الغالب لا يطاق...

كان كتابها باولا عبارة عن مجموعة مذكرات، قصة مأساوية لوفاة فتاة قبل أوانها، مع ذلك، كان بشكل أساسي احتفالاً بالحياة تضمنت الصفحات قصتين، قصة ابنتها باولا وقصة قدرها المجازف، احتضارها الطويل منحها فرصة فريدة لمراجعة سالف أيامها، توقفت أيامها كلياً لعام كامل، لم يكن لديها شيء تفعله سوى الانتظار والتذكر فقط.

كما تتحدث الليندي عن كتابة الرواية حديثاً شيقاً ممتعاً. إذ ترى أن الرواية هي من نسج الحياة، وهي عمل طويل ومتعب من دون معرفة تفاصيل ما تعمل حتى يحين اليوم الذي ستقلب فيه الكتاب وتلقي نظرة على تصميمه، وهي لا تنهي الكتاب إنما تستسلم له، إذ لديها المزيد لترويه.

Email