«مدينة الكلمات» عالم القراءة مفتاحاً لأسرار القلوب

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يزال الكاتب الأرجنتيني ألبرتو مانغويل يُمعن حفرا وتنزيلا في موسوعات الكتب والمعارف، وتلك التي تتناول سيراً ووقائع ومدونات وأساطير وروايات وملاحم، من غلغامش إلى دون كيخوته إلى الفريد دوبلن.. فالجاحظ الذي اختار مقطعا من كتابه «الحيوان» ليقدم به كتابه «مدينة الكلمات».

لا يترك مانغويل فرصة لقرائه، تُتيح لهم التقاط أنفاسهم أو أخذ هدنة واستراحة عابرة وهم يسيحون عبر فصول كتابه. فالتكثيف وتلاحق الأفكار وتنوع مصادرها سمةُ من سمات الكتابة عند مانغويل.

هذا ما خبرناه في «تاريخ القراءة» وفي «المكتبة في الليل» و«مع بورخيس»....فهو إلى كونه كاتبا موسوعيا، يُحسن إدارة الأفكار واستقاء مصادر معرفية مناسبة ليشحن بها مقالاته ونصوصه الروائية ومؤلفاته التوثيقية التي يخرج بها من معادلات الأرقام والبيانات إلى ما يُشبه الكتابة الهلامية التي تقبض على منابع قوتها عبر إدراكه لجغرافية الكلمات بتفاصيلها الدقيقة.

يقترح مانغويل في كتابه «مدينة الكلمات» مُقاربة جديدة:«ينبغي أن نستمع إلى الكلمات التي يبثها الحالمون والشعراء والروائيون وصُناع الأفلام، عبر الزمان والمكان»، عسى أن تحمل هذه القصص والمرويات مفاتيح سرية للقلب البشري، بعيدا عن مماحكات الأنتروبولوجيين وعلماء السوسيولوجيا والاقتصاد.

لا يدعي مانغويل أن مروياته تُقدم حلولا جاهزة لأزمة الهوية وانغلاق المجتمعات وعصبيتها المتصاعدة.

فهو يدرك أن قراءاته العشوائية تركت له كتابا عاديا يجد في صفحاته أفكارا مَصوغة بكلمات الآخرين، تاركا قرّاءه أمام أسئلة مصيرية حول تعريف الهوية وحول قدرة اللغة على توسيع المخيلة..يتناول المؤلف في الفصل الأول كتابات ألفريد دوبلن فيؤكد نظريته القائلة إن مفهوم اللغة كأداة تصوغ الواقع وتفهمه في آن واحد، لا يزال صالحا إلى اليوم. ويتوسع مانغويل في نقل تعريفات دوبلن للقراءة والقصص والكلمات واللغة..

فالقصص عنده ذاكرة الإنسان، والمكتبات مخازن تلك الذاكرة، فيما القراءة هي الحرفة التي يتمكن عبرها من إعادة تجديد الذاكرة. ويعود في الفصل الثاني إلى ملحمة غلغامش، فيروي وقائع أحداثها التاريخية ويتوقف عند أهم مفاصلها، جاهدا في الوقت عينه إلى مُناقشة دلالاتها.

وفي الفصل الثالث من كتابه دفق من الصور والأخبار والمرويات والأحداث، إذ يعمل على استلهام إشاراتها ودلالاتها فيخرج إلى استنتاجات تنسجم مع رؤيته الكوزموبوليتية حول الإنسان واللغة والهوية والقبيلة والدين، والفلسفات. ويخلص في الفصل الرابع الى القول «إن كان ثمة إمكانية لوجود عالم أحلام، فلا بد من أن يُسمح للآخرين بتخيُل عالمهم أيضا». وفي الفصل الخامس والأخير من كتابه «شاشة هال» يقدم عُصارة قراءاته للعديد من المرويات والحكايات.

الكتاب: مدينة الكلمات

تأليف: البرتو مانغويل

الناشر: دار الساقي - بيروت 2016

الصفحات:

174 صفحة

القطع: المتوسط

Email