بيانات التحقيق مع «عميد الأدب» والتهم المكالة

محاكمة طه حسين.. وثيقة أدبية لا تموت

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

صدر العدد الأول من كتاب القاهرة فى سبتمبر 2016م، وعلى غير التوقع ولا المعتاد، تحت عنوان «محاكمة طه حسين». وهو ما يشكل قيمة خاصة بالنسبة لهذا المشروع المتخصص في توزيع كتاب ثقافي في كل شهر مع جريدة القاهرة التى تصدرها وزارة الثقافة المصرية.

اللافت أن الكتاب يتضمن نص تحقيق وقرار النيابة فى 30 مارس 1927، الصادر عن المحقق محمد نور رئيس نيابة مصر، حول التحقيق مع الكاتب طه حسين، بشأن ما نشر فى كتابة «في الشعر الجاهلي».

بداية الحادثة الشهيرة: «بتاريخ 14 سبتمبر سنة 1926م تقدم حضرة عبدالحميد البنان أفندي عضو مجلس النواب، ببيان ذكر فيه أن الأستاذ طه حسين المدرس بالجامعة المصرية نشر ووزع وعرض للبيع فى المحافل والمحلات العمومية، كتاباً اسماه (فى الشعر الجاهلي) طعن وتعدى فيه على الدين الإسلامي - وهو دين الدولة - بعبارات صريحة واردة في كتابه سنبينها في التحقيقات..». بتلك المقدمة عرض الكتاب قرار المحقق وأوجز القضية.

مقدمة الكتاب (الطبعة الثالثة): حرص سيد محمود رئيس تحرير «القاهرة»، على إدراج مبررات اختيار كتاب «محاكمة طه حسين» الذى أعده وعمل على نشره من قبل الكاتب خيري شلبي، فأوضح أن الغرض بيّن وهو تأكيد تراث الاستناره المصري، وذلك ليس فقط باستعادة المعركة التى دارت حول الكتاب المذكور ومؤلفه، وإنما بغرض تأكيد أن هذه الاستنارة كانت جزءا من سياق مجتمعي أفرز إلى جواره وإلى جوار منتقديه من المشايخ والمفكرين، مجموعة من القضاة كانت تمارس عملها القانوني استنادا إلى بحث جاد. وصدر الكتاب في طبعتين من قبل، نظرا لأهمية القضية التي يتناولها وللدلالة الفكرية والقانونية التي تتعلق بنشر كتاب وصلت أفكاره دهايز المحاكم.

مقدمة الطبعة الثانية: يوضح فيها خيرى شلبي «نشرت في عام 1993م» كيف يظن بأنه لا يحب كتاباً من كتبه «طه حسين» قدر حبه لهذا الكتاب الذى نشر للمرة الأولى فى بيروت عام 1973م وبأعداد محدودة، ومع ذلك لا يمر من الوقت الكثير إلا ويقرأ مقالاً يتناول الكتاب تفصيلاً وتحليلاً.. حتى راج وانتشر بشكل لافت وإلى يوم كتابته تلك المقدمة للطباعة الثانية.

ويسجل شلبي شعوره بالتقصير كلما قرأ حول الكتاب، وعاتب نفسه لأنه لم يذهب إلى البرلمان ويطلع على المناقشات التى تمت حول الكتاب.. كما أنه علم بأن أربعاً من الكتاب أصدروا كتباً وتحليلات ومناقشة للكتاب وموضوعه، ويرى أنه كان من الواجب عليه الاطلاع على تلك الكتب وتناولها أيضاً.

ولا ينتهي شلبي من مقدمته تلك إلا ويشير إلى المحقق ويتوقف أمام قراره وصياغاته وأفكاره. فيوضح أنه لم يقرأ صياغة قانونية جافة ومملة، بل عبر المحقق عن ثقافته التى بدت جلية وهو يحقق مع طه حسين، ومعبراً عن وجهة نظر راقية وعلمية.

الطريف أن هذا الكتاب هو الأول فى حينه، لدار تحمل اسم «المؤسسة العربية للدراسات والنشر»، لصاحبها اللبنانى، إلا أن حادثة إرهابية قتلته والنسخ القليلة التي بين يدي شلبي استطاع أن يتابع توزيعها بخط اليد.. وهو نفسه سر سعادته لإعادة طباعة الكتاب، بعد كل تلك السنوات في مصر.

مقدمة الطبعة الأولى: وفيها يقول خيري شلبي معد الكتاب؛ وكان من الممكن أن يحفظ البلاغ المقدم من الشيخ حسنين، لولا أنه فى 5 يونيو 1926م، أرسل فضيلة شيخ الأزهر الى سعادة النائب العمومي، خطاباً يبلغه فيه تقريراً رفعه علماء الأزهر عن كتاب ألفه طه حسين، أسماه «في الشعر الجاهلي» أساء فيه إلى القرآن الكريم صراحة وطعن فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وأهاج بذلك ثائرة المتدينين، بما يخل بالنظام العام ويدعو للفوضى.

اتسع الموضوع، فبتاريخ 14 سبتمبر 1926م، تقدم بلاغ آخر من حضرة عبدالحميد البنان عضو مجلس النواب، ذكر فيه: أن حضرة الأستاذ طه حسين المدرس بالجامعة المصرية نشر ووزع وعرض للبيع، كتاباً طعن وتعدى فيه على الدين الإسلامي.

كان على النيابة أن تتحرك، فرغم الأدلة التى ساقها طه حسين وهو يتبع في دراسته أسلوباً عميقاً علمياً منظماً، إلا أنه في النهاية يمس شيئاً خطيراً.. يمس التراث والمعتقدات الثابتة. إن الأسلوب الذي اتخذه هو أوروبي المنهج، ولم يكن سائداً ولا معروفاً في مصر، فهو غير مقبول من أساسه.

وفسر طه حسين منهجه ويقول رده في هذا الشأن: «أريد أن أريح الناس من التعب، إني سلكت مسلك المحدثين فيما يتناولون من العلم والفلسفة، أن أصطنع منهجاً استحدثه ديكارت للبحث عن حقائق الأشياء.. والقاعدة الأساسية هي أن يتجرد الباحث من كل شيء تعلمه من قبل.. وهذا المنهج غير مذاهب الأدباء وسواهم».

قرار النيابة: في 30 مارس سنة 1927م، قدم محمد نور، المحقق، تقريره التاريخي، حيث أنهاه بقوله وقراره التالي: «وحيث إنه مما تقدم يتضح أن غرض المؤلف لم يكن مجرد الطعن والتعدي على الدين بل، إن العبارات الماسة بالدين التى أوردها في بعض المواضع من كتابه، إنما أوردها في سبيل البحث العلمي مع اعتقاده أن بحثه يقتضيها. وحيث إنه من ذلك يكون القصد الجنائي غير متوفر، فلذلك:

تحفظ الأوراق إدارياً...».

وشمل هذا التحقيق الجزء الأكبر من الكتاب، وتضمن الطعون المقدمة ضد الكتاب، ثم توضيح مواضع الشبهات والتي أصبحت محل التحقيق. كما تضمن مجمل الأسئلة والإجابات التى تمت بين المحقق وطه حسين.

هذا الكتاب على صغر حجمه، وقد مضت 90 سنة كاملة على الأحداث الواردة فيه، يعد وثيقة تاريخية وأدبية يلزم الإطلاع عليها والتعرف من خلالها على وجهات نظر غير شائعة حتى اليوم، ولا يجب تجاهلها من باب العلم والمعرفة العلمية.

المؤلف في سطور

خيري عبد الحميد شلبي (31 يناير 1938 - 9 سبتمبر 2011)، كاتب وروائي مصري. ولد في قرية شباس عمير - محافظة كفر الشيخ. عمل في الصحافة والبحث في التراث المسرحي.. ثم التراث الشعبي، وهو من كتاب القصة القصيرة والرواية. حصل على العديد من الجوائز، منها: جائزة الدولة التشجيعية في الآداب عام 1980- 1981، وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1980 – 1981، أفضل رواية عربية عن رواية «وكالة عطية» 1993.

الكتاب:

محاكمة طه حسين

تأليف:

خيري شلبي

الناشر:

كتاب «القاهرة» - عن هيئة الكتاب المصرية - 2016م

الصفحات:

100 صفحة

القطع:

المتوسط

Email