حب ولادة غيّر حياته.. وأدبه جمع بين الطرافة والجدية

ابن زيدون..المرأة والطبيعة في شعره

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تطلعنا الكاتبة عزيزة حذيفة، في كتابها «ابن زيدون»، على أديب عاش في القرن الخامس الهجري، وجمع في أدبه بين طرافة البيئة وشعر الأجداد، ملتزماً الانتماء العربي، إنه ابن زيدون، الذي غيّر حياته حبّ «ولادة» ثم دخوله السجن وهروبه منه إلى الطبيعة التي مزج فيها بين الماضي الجميل والحاضر، والتقى الشاعر بـ «ولادة» بنت المستكفي، فصارت قطعة دائمة الحضور في ذاكرته.

ومثل هذا الانجراف، كان لا بدّ أن تسوقه إلى السجن بتهمة التلاعب بأموال الدولة، وتمكن من الهروب إلى إشبيلية، ليكون في الموضع المناسب، وعاش ابن زيدون فترة من التخبط بين الحبّ الجارف والحقد الجارف أيضاً، ولم ينس يوماً أنه خلق ليكون شاعراً أولاً ثم عاشقاً وأخيراً حاقداً على الأشياء من حوله، ومن هنا مكانته الأدبية في تاريخ أدبنا العربي.

نشأ ابن زيدون في أسرة عرفت بالجاه والثروة، والده كان قاضياً، وترك ابنه وهو صغير.. وحفظ القرآن الكريم والحديث الشريف، وحفظ الشعر، وأقبل على كتب اللغة والفقه والأدب.

احتل ابن زيدون مكانة عالية في المجتمع القرطبي، وعدّ إحدى شخصيات القرن الخامس الهجري الذي تألقت فيه قرطبة، وساهم ابن زيدون في بناء دولة بني جهور وزيراً وشاعراً، وقام بمهمات رسمية بينها وبين الدول المجاورة.

في إشبيلية يمدح ابن زيدون المعتضد، ويحشد له أسمى المعاني، فقد أكرمه المعتضد وعرف قدره، ولقبه بذي الوزارتين.. وما إن تقدمت بابن زيدون السن حتى تغيرت نفسية المعتمد الذي خلف المعتضد، وأخذ يبحث عن وسيلة للتخلص منه، فجاءت فتنة إشبيلية فرصة مناسبة للخلاص، فكان الهلاك عبر هذه الغزوة تكريماً له في إشبيلية.

من هي ولادة بنت المستكفي؟

احتلت ولادة بنت القينة الحبشية، المكانة العليا بين نساء عصرها عقلاً وأدباً وجمالاً، وتعدّ دارها من أشهر الدور في الأندلس، وكان لها صنعة في الغناء، ومجلسها يغشاه أدباء قرطبة وظرفاؤها، لم تتزوج طول حياتها، فعاشت تسحر القلوب والألباب، متسلحة بشباب ناضر، وجمال فاتن.

ابن زيدون كان واحداً من مجموعة الذين يرتادون منتداها الأدبي وهو شاب، وفي هذا المنتدى كان التعارف، تبعته الألفة والانقياد، ثم صادف هواه قبولاً في نفسها، وكان الموعد الأوّل: «فلما طوى النهار كافوره ونشر عنبره، أقبلت بقدّ كالقضيب، وقد أطبقت نرجس المقال على ورد الخجل، وباح كلّ منا بحبه، وشكا إليه ما بقلبه، وبتنا بليلة نجني أقحوان الثغور».

ومرت أيام ابتسم القدر فيها للعاشقين، فراحا يتقلبان في نعيم الحب، وها هو ابن زيدون يصف واحداً من اللقاءات الجميلة:

زارني بعد هجعة، والثريــــا

راحةٌ تقْدرُ الظّلامَ بشبــــــــر

قصّر الوصلُ عمرها، وبودّي

أن يطولَ القصيرُ منها بعمري

لكن التبدل هو طبيعة الزمن، فقد ظهرت غيوم القطيعة وسحب الجفاء، فسقت ولادة سحب الجفاء بعد أن كان يعب من نبع الوصال، ولكن ما قصة هذا الجفاء بينهما ؟ وتجيب ولادة عن سبب ذلك، أن ابن زيدون أشار إلى جاريتها أن تعيد له صوتاً غنته، فطننت أنه يغازلها من دونها، فغضبت غضباً شديداً، وكتبت إليه: لو كنت تنصف في الهوى بيننا

لم تهو جاريتي، ولم تتخير

وتركت غصناً مثمراً بجمالــــه

وجنحت للغصن الذي لم يثمر

أمّا ابن زيدون فيدعي أن سبب القطيعة يعود إلى الزمن، أو إلى الوشاة، وأحياناً يدعي بأنه قد اعتدى عليها بالضرب، فتتخذ المحبوبة قراراً فورياً بهجره والابتعاد عنه، ولم يلبث شاعرنا أن سقط في مستنقع اليأس يكتب الشعر لها ولكن لا مجيب وزاد في محبته للطبيعة، فأصبح من مميزات غزله أنه مزج حبه للطبيعة بحبة لولادة، وتغنى بالاثنين معاً، فولادة هي جزء من طبيعة ساحا في أرجائها معاً.

ظل ابن زيدون متمسكاً بحبّ ولادة فترة طويلة، رغم أنها قد أغلقت قلبها دون حبه، وأوصدت سمعها من دون نجواه وأنينه، وأنها قد تركته لتنتقل إلى رجل غيره، أسلمته قيادتها ومنحته فؤاده، وقد مرّ الشاعر بثلاث مراحل في قصة حبّه، هي مرحلة الأمل، ومرحلة اليأس، ومرحلة العتاب الممزوج بالقسوة.

Email