دراسات تحلل نتاجات مبدعي الشعر والقصة والرواية

الأسلوبية الدلالية في الأدب العربي.. عصور وتبدلات

ت + ت - الحجم الطبيعي

يفسر كتاب «الأسلوبية الدلالية»، لمؤلفه د. فايز الداية المصطلح بأنه الطريقة التي تشمل على مفهومات تتكامل في نسق وتتحرك في مجموعة إجراءات متوافقة، وبهذا يمكن البرهنة والوصول إلى نتيجة في الموقف الذي يتداول المنهج.

ويبين الكتاب أنه يدرس علم الدلالة المعنى اللغوي: طبيعته وأحوال تطوره وعلاقته التي تتحرك داخل النصوص مع الجوانب النفسية والاجتماعية للإنسان، ويشير المؤلف إلى أننا نفيد من المعطيات التي قدمتها الدراسة الدلالية العربية، وهي تجمع أصولاً من التراث وزوايا أنجزها الباحثون في العالم المعاصر..

وذلك بتوظيفها في التحليل الذي يستطلع أبعادا للعمل الأدبي العربي القديم والحديث في سياقه.

وتنقسم الأسلوبية إلى أربعة فروع تحلّل النص الأدبي، الأوّل هو تناول للتركيب اللغوي والثاني للصور الفنية والثالث للدلالة والرابع للأصوات والإيقاع والموسيقى، وفي كلّ منها تعرف حدود المجال والمرجعية النظرية وإجراءات العمل والغاية التي يمكن أن نصل إليها.

يتناول المنهج الأسلوبي الدلالي النصّ الأدبي من خلال بؤرة هي الكلمة بوجهيها الدال والمدلول في إطار العلاقات السياقيّة، فيمتدّ محور تحليلي ويشبك بسائر المحاور النقدية للصورة والتركيب اللغوي والموسيقى والإيقاع في النصوص الغنائية..

وأمّا في السردية والدرامية فتقدر خصائهما متفاعلة مع الدلالة، إنّ دوال النصّ تعكس ما لدى المبدع من صور ذهنية أي تصورات للمدلولات الحسية والفكرية والنفسية، وهي بعض من رصيده الدلالي الذي تراكمت فيه الخبرات المعرفية والنفسية والفكرية في أطوار من حياته، ويأتي التفاعل معها في التجارب الأدبية وموافقها عبر استجابة مباشرة وأخرى يرسلها الوعي العميق المستقر في الذاكرة.

ويشير المؤلف إلى أنه كانت حماسة أبي فراس الحمداني تتعالى في قصائد الفخر، وعرف الأدب العربي خط من الشعر متصلاً بهذه الفروسية، وتنتظم المفاتيح الدلالية في ثماني حزم، كلّ منها تعبّر عن شخصية الفارس، وأفرد الكتاب حزمة جديدة هي: «الأسر ومحيطه»، فبين أنّ ثمة بعدين للمادة الدلالية في دائرة الحماسية، أولهما يملأ البصر فيتابعه..

والآخر هو الأساس الذي انطلقت منه، أي ما كان في واقع عايشه أبو فراس وقدّمه بهذه الدوّال. ويتابع النقد في الكتاب تجليّات «الرحلة» في ثماني قصائد، عرف حضورها في وعي الشاعرة نازك الملائكة، ويركز على الجانب الدلالي وما يتصل بإيضاحه من الأساليب الأخرى، وتبلورت رؤية المتلقي وآفاقها في قصيدة «مرّ القطار» التي كاد نصّ الشاعرة النقدي أن يصرفها عن جوهر العمل الشعري.

كان الشاعر عبد الله البردوني يضم تلك المفاتيح في الدائرتين ويفتن في تركيب أطياف صوره، وهنا تغدو ألوان المفاتيح دليل الهوية، فالخصب عنوان والخضرة تنشق لها الأرض، وبهذا التلاقي بين الولادة والمواسم ندرك مدى إيمان الشاعر بانتقاض المارد من هذه النفوس تحملها أجساد نال منها تعب القرون.

إنّ ديوان «باب اليمام» للشاعر سعد الدين كليب يضع أمام المتلقي تجارب الشاعر في سياقات تفرقت في جنبات الحياة وتقلبات أزمنتها وناسها، وتتبّدى دوائر دلالية، وتنشر مفاتيحها على أرض الديوان، إنّه يرسم المشهد الدرامي في مواجهة وتوتر، ويشعل كوامن الصراع حتى يتم دورة كاملة ينتصر في نهايتها الخصب.

يقدّم الناقد ـ المؤلف دراسات تطبق الأسلوبية الدلالية على القصة والرواية، ويبدأ بقصة عبد السلام العجيلي، فتتوضح الصورة الإبداعية عنده وفاعلية المفاتيح الدلاليّة عندما نقارن قصته «حمّى» بوقوف شعراء العربية أمام الحمّى الزائرة في الظلام وأشهرهم المتبنّى الذي تحدّث عن الحمّى الزائرة في الظلام، فالعجيلي قدّم مثالاً لتضافر الخيال والعلّم وحقق فيه التغلغل في التلافيف الباطنة للإنسان.

واختار الناقد شخصية «لولو» في مسرحية وليد إخلاصي «من يقتل الأرملة» إذ إنّها طرف خطير في مدار صراع الإنسان فوق آثار الفساد وتفكيك القيم وترك اللحم العاري في رمال العاصفة، وتعرض المسرحيّة جهود مجموعة تنوّر بالكلمة والفن الدرامي مسار المجتمع وعلاقة السلطة به، ونشاهد هجوماً على هؤلاء الفنانين يريد استلاب قدراتهم عندما تمدّ «لولو» عينها ويدها لتشتت شمل الفرقة المسرحية.

المتنبي ونازك والبردوني

يفرد الناقد المؤلف، دراسات عديدة تتراوح بين القديم والحديث ليضيء على مسألة البحث بتوسع. فيأخذ مثلاً على القديم قصيدة «الحمّى» للمتنبي، ومن الشعر الحديث شعر نازك الملائكة وعبد الله البردوني وبندر عبد الحميد، ومحمود حسن إسماعيل وخالد أبو خالد.

وفي القصة درس نتاج أحمد ولد عبد القادر وخيري الذهبي وسليمان الشطي، كذلك درس توفيق الحكيم وعلي أحمد باكثير.. ودرس الانزياح الدلالي والتغريب المسرحي عند إسماعيل فهد إسماعيل، وفي الختام قدّم دراسة عن: أليخاندور كاسونا.. سيمفونية بدون ختام.

Email