ملك شاعر شهرته طبقت الآفاق

المعتمد بن عبّاد في سنواته الأخيرة بالأسر

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتناول كتاب «المعتمد بن عباد في سنواته الأخيرة بالأسر»، لمؤلفه الدكتور عبدالدين حمروش، شخصية المعتمد بن عباد، آخر ملوك بني عباد في الأندلس، بجانبيها السياسي والشعري، منتصراً للجانب الثاني الذي يشكِّل قمة بارزة من السمو الإنساني والجمالي في تاريخ الشعر العربي.

ويعزو الكاتب شهرة الملك الشاعر المعتمد بن عباد التي طبَّقت الآفاق إلى عوامل عديدة، امتزج فيها الأدب بالسياسة مثلما امتزج الدين بالتاريخ، مختزلاً العامل الحاسم لهذه القضية في كون المعتمد ثمرة لحظة فارقة في التاريخ العربي الإسلامي بالأندلس، اتسمت بالازدهار الحضاري والأدبي إلى جانب امتلائها بأحداث سياسية كبرى.

ويستدل على الأهمية التي اكتساها ذلك العصر باجتماع ستة شعراء أندلسيين كبار (ابن زيدون، ابن عمار، ابن حمديس، ابن اللبانة، ابن عبدون، المعتمد بن عباد)، بالموازاة مع اجتماع ثلاثة حكام كبار (ملك قشتالة ألفونسو السادس، أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، حاكم إشبيلية المعتمد بن عباد)، لافتاً إلى الأحداث السياسية الكبرى التي شهدها العصر وهو يبلغ أوْجَهُ الحضاري الثقافي، والتي تُوِّجت بحدثين عظيمين تجسَّدا في معركة الزلاقة وترحيل المعتمد معتقلاً إلى المغرب.

ويبدو أن هذه الرؤية التي اعتمدها المؤلف مدخلاً لدراسته لا يثبت صدقها في حدود عصر الشخصية المدروسة ومكانها فحسب، بل يتسع مداها لنبصر لحظات فارقة شبيهة في عصور وأمكنة أخرى، كما في عصر المعتصم وأبي تمام في بغداد وعصر سيف الدولة والمتنبي في حلب.

ويتوقف المؤلف مليّاً، في الفصل الأول من الكتاب، عند الظروف التي أحاطت بأسْر المعتمد وكيفية تعامل المرابطين معه.كذلك ما حُكي من المحن التي قاساها ابن عباد منذ اقتحام قصره، واشتغال أحد أبنائه بالصياغة، واشتغال بناته بغزل الصوف للناس، ملاحظاً أن التناقض الذي شهدته حياة ابن عباد بفعل انقلابها من حال إلى حال انعكس على روايات المؤرخين عنه التي شابها الكثير من التضارب.

ولا يبالي المؤلف بمعالجة هذه المفارقات التاريخية التي لم يسلم منها شعر ابن عباد، بما اشتمل عليه من جوانب عززت الرواية ونقيضها، لكنه يعتني بالعناصر التي أسهمت في منح مجريات قصة الشاعر تشويقاً وإثارةً منذ اعتلائه عرش إشبيلية.

وينتقل إلى الحديث عن الغربة، بوصفها فضاءً حتمياً لكل إبداع حقيقي، فيوضح أن غربة المعتمد بعد ترحيله من الأندلس إلى بلدة أغمات المغربية مثَّلت بالنسبة إليه فضاء إقامة دائمة، عاش فيه بين أهله من المغاربة الأندلسيين، في مناخ ثقافي أندلسي حقيقي في أدبه وموسيقاه ومعماره، وكذلك في طبخه ولباسه ورسم حروفه، ممهداً للحديث عن غربة الملك الشاعر الروحية التي لامس كثيراً من جوانبها في الفصل الثاني من الكتاب تحت عنوان «عند قبر المعتمد».

ويشكِّل ضريح المعتمد بن عباد، وفقاً للدراسة، رمزية التقاء بين الشرق والغرب، وبين القوة والضعف، وبين الخيال والحقيقة، مستمداً ذلك الوصف من صاحبه الذي تجسَّد في شخصه معنى التعدد الثقافي حيث يحيا الحوار ويسود التسامح وينتعش الإبداع والفكر، مما جعله في الوقت الحاضر مزاراً يستقطب مختلف الجنسيات، في إطار نوع من السياحة الثقافية.

ويحتفي الكاتب بالألم المتفجر من محنة الأسر الذي أبدعت تصويره نصوص شعرية سماها اختصاراً «المغربيات»، كانت خلاصة تجربة حياة غنية ومتعددة في مساراتها عاشها المعتمد في سجنه، وضمت الأشعارَ التي نظمها الشاعر بتأثير معاناته، وما قاله الشعراء الأندلسيون أيضاً خلال زيارتهم للشاعر الأسير في حياته أو لقبره بعد وفاته، مبرراً ضم هذه النصوص ضمن مجموع واحد في الفصل الثالث بأنها اكتسبت قيمة فنية إنسانية رفيعة، إضافة إلى تشكيلها مجموعة متماسكة من حيث الموضوع والرؤية الفنية.

Email