مغامر اشتهر بطموحاته السياسية والانتهازية

شعر ابن زيدون .. قراءة جديدة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يرى كتاب «شعر ابن زيدون»، لمؤلفه د. وهب رومية، أن النقد ليس لعباً لغوياً، ولكنه امتداد لموقف الناقد الاجتماعي ولرؤيته للحياة، وفلسفته فيها. ومن هذا المقياس، يتناول شعر ابن زيدون (394- 463 هجري)، الذي ولد بقرطبة وتوفي في إشبيلية. وهو الشاعر الذي أحبَّ «ولادة» ابنة الخليفة المستكفي، والذي وُلي الخلافة سبعة عشر شهراً، فذاق من رحيق الحب وحنظله ما ذاق، وشاقه الهجر والصدود، وقتلته الغيرة القاتلة، وظلَّ حب ولَّادة يضرم النار بجوانحه اقتربَ منها أو ابتعدَ عنها.

ويبين المؤلف أن الباحث في حياة ابن زيدون سيجد أنَّها اصطبغت كلها وتلوَّنت برغبته العارمة في المشاركة السياسية والإدارية. فكان مغامراً وصولياً انتهازياً يرى العالم كله من خلال مرآة ذاته، ويجمع نفسه ويسوقها في سبيل هذه الذات وحدها، غير عابئ بالعالم الذي يمور من حوله ويضطرب إلا بمقدار ما يلبي طموحه. كان من حصفاء العبيد – كما وصف نفسه في كتابه الذي أرسله إلى المعتضد.

وربما يكون وصف ابن زيدون بالوصولية والانتهازية أمراً قاسياً على النفوس التي وُقِّرت فيها صورته كعاشق، فانعقدت عليها واكتفت بها. وليس في ذلك ما ينكر أو يريب، فالنفس الإنسانية نزَّاعة إلى أن تنّقي صورة من تحب من الشوائب، وتحتفظ بها نقية صافية ولو كان ذلك على حساب الحقيقة التاريخية. ثمَّ يسأل المؤلف رومية:

كيف تبدو قصيدة المدح في شعر ابن زيدون بنيةً وموقفاً؟ وما مكانتها من شعره من حيث عددها، وعدد أبياتها؟ وهل ثمة علاقة عِلية بين هذا العدد وشخصية الشاعر الذي وصفناه بالمغامر الانتهازي الوصولي؟

ويقول، قُمتُ بإحصاء عدد قصائد المدح وقصائد الرثاء والقصائد الذاتية إحصاء شبه دقيق، وأغفلت المقطعات والألغاز، فتبين لي أنَّ عدد قصائد المدح ثلاث وثلاثون قصيدة، يخالط الرثاء المديح في اثنتين منها، وأنَّ عدد قصائد الرثاء خمس قصائد، وأنَّ عدد القصائد الذاتية تسع قصائد موزعة على الغزل (ثلاث قصائد)، والحنين (خمس قصائد)، والشكوى (قصيدة واحدة).

ولعلّ نظرة سريعة إلى أبيات قصائد المدح تبين لنا، أنَّنا أمام شاعرٍ مدَّاحٍ محترفٍ، إذ ذهبت قصائد المدح بثلثي شعره، فإذا قدرنا ما أغفلناه من مقطعات وألغاز قلنا ذهبت قصائد المدح بنصف شعره. وإذاً هو في الصفوف الأولى من الشعراء العرب المدَّاحين على امتداد تاريخ الشعر العربي القديم، وهو أحد أولئك الشعراء الجوالين الذين يجوبون الأرجاء، يعرضون بضاعتهم من المديح العريض لمن يشتريها. إنه نصب سوقاً للمديح في كل أرض وطئتها قدماه في قرطبة وفي إشبيلية وفي بطليوس.. وراجت بضاعته في تلك الأسواق جميعاً، وربح منها السلطة والجاه العريض.

أما قصيدة الرثاء فكانت قليلة الانتشار في شعر ابن زيدون، وكانت على قلتها متفاوتة النسج تفاوتاً شاسعاً. ولعلَّ السبب في قلتها وتفاوت نسجها راجع إلى شخصيته ومفهومه للشعر، فإذا حُمِل عليها عاسرته معاسرة شديدة، ولم تستقد له إلا في مواقف نادرة جداً. وفي «الشكوى» سنجد أنَّ أشهر قصائد ابن زيدون وأكثرها سيرورة هي قصيدته (السينية) التي بعث بها من السجن إلى صديقه الوزير الكاتب «أبي حفص بن برد».

ولا ريب في أنَّ حبَّ ابن زيدون كان أحد العوامل التي وجَّهت أدبه، وفتحت أمامه أبواب القول، ولكنَّه لا يضارع طموحه السياسي وما جرَّه عليه. يقول د. إحسان عباس: فشخصية ولَّادة هي التي رسمت الطريق لغزل ابن زيدون بتقلبها وشدة غيرتها، ومن قوة الحادثة نفسها استمد غزله القوة والجيشان، وبخاصة بعد أن وقع في حالٍ هي بين الأمل واليأس. مع هذا فإنَّ في شخصية ابن زيدون نفسه سببا آخر، إذ كان شاباً مغروراً بجماله وفتوته، نرجسياً في نظرته لذاته. وكان مبتلى بمثل الغيرة التي لدى صاحبته ولَّادة، ولذا كان استمرار العلاقة بينهما أمراً عسيراً. ولم يستطع ابن زيدون، رغم إعجابه بنفسه، أن يتغّلب على شعوره بالنقص تجاه ولَّادة من حيث إنها أشرف نسباً، وأعلى مقاماً.

Email