رمزية الماء في التراث الشعري العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشير كتاب «رمزية الماء في التراث الشعري العربي»، لمؤلفه عزيز العرباوي، إلى أن أهمية الماء في حياة البشر لا خلاف حولها، وكانت كذلك عند العرب وأكثر دلالة وأهمية، نظراً لقلة مواردها. وهو ما تجلى في الإبداع الشعري منذ الجاهلية وحتى اليوم. فالماء مصدر الحياة، وبه تنمو الزهور وتعطي الطبيعة أفضل ما عندها، فينعم الإنسان والحيوان معاً.

فهو الخلاص من الجفاف والعطش، وطريقنا للتقرب إلى الله، وهو تتطهر أجسادنا. ويلفت المؤلف إلى أنه يعد الماء ملتقى المعتقدات الشعبية والعادات والأفكار والقناعات من دلالات ثقافية وشعبية. إذ قامت الأساطير في الكثير منها على الماء: «أدونيس وعشتروت»، «تموز وعشتار». وفي الثقافة الشعبية يبدو الماء في الكثير من الطقوس، كما طقس «عروس الماء» في منطقة شمال إفريقيا.

كما نلاحظ في الثقافة الشعبية المغربية، في الاحتفال بيوم عاشوراء، إذ يرش الماء على الحضور، وتجري عملية تغطيس وغمر للأطفال في صباح هذا اليوم، والاعتقاد السائد بهذا أن الغطس في الماء يساعد الصغار على النمو.

ويبين الكتاب أن الشاعر المتأثر ببيئته وبالطبيعة، برز أكثر من غيره في رصد «الماء» وأهميته، وهو ما تجلى في الشعر الجاهلي، الأمر الذي أفرز إنجازا فرديا واجتماعيا معا.

فاستحضار فعل الماء سلبا أو إيجابا، يبدو جليا، إذ إن الماء يصنع الحياة كما الموت، ولا حركة إلا به.

وهناك من شعراء الجاهلية من لا يخلو قصيده من ذكر الماء والمطر، ذاك من خلال لقطات مشهدية. كما ويبدو أن حضور الماء بتلك الأشعار يثبت حالة وجود المحب داخل فضاء الحبيبة القديمة، فتتحول صورة الصد والتمنع إلى صورة القبول والتمني.

كذلك تناول شعراء الجاهلية أماكن ينابيع الماء، وقدسوا مواطنه، باعتباره موطن الآلهة كما كانوا يعتقدون في الجاهلية. فإذا فقدوا أحدهم ذهبوا إلى تلك المنابع وصاحوا باسمه، فيرد عليهم إن كان حياً!

والبرق عندهم هو رمز للحب والعشق والشوق والحبيبة، بحيث يتجسد البرق فيصير متجسداً في حبيبة، كما هي «هند» عند الشاعر عبيد بن الأبرص.

وهكذا تميز الشعر الجاهلي بالعديد من صور عنصر الماء، ويأتي الماء في العصر الإسلامي باعتباره العنصر الأهم في الكون، وفي العصرين الأموي والعباسي نال مكانة في الغزل وتحقيق أغراض الشاعر، بينما عند محمود درويش تجاوز الماء المعنى السطحي وتحول الى المعنى العميق. كما يستعرض الكتاب مجموعة من النماذج والأمثلة المهمة، عن كل مرحلة، توضح كيفيات وقيمة توظيف الماء والحديث عنه في الشعر العربي، على مر العصور.

وبطبيعة الحال، نجد أن الكتاب لا يغفل في النماذج التي يعرضها، أيا من المراحل. إذ يدرج شواهد على طبيعة رمزية الماء في شعرنا العربي، ضمن مختلف العصور. كما يقدم الكتاب مساقات تحليلية ونقاشية حول الموضوع، تفتح نوافذ عديدة اما القارئ.

Email