التفسير الاجتماعي لتطور العِلم في العصر العباسي

غلاف كتاب العلم العربي وتطوره في العصر العباسي الأول

ت + ت - الحجم الطبيعي

يسعى كتاب (العِلم العربي وتطوره في العصر العباسي الأول 132-232 هجري)، لمؤلفه د. عبده القادري، لتبيان عوامل البيئة الاجتماعيّة التي تمت فيها ظاهرة العلم في هذه الفترة الزمنيّة من العصر العباسي..

وبالتالي الكشف عن العلم العربي وعلائقه الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة في هذه المرحلة المهمة، على اعتبار أن العلم ما هو إلا صورة من صور النشاط الإنساني، يتشابك مع سائر أنواع النشاطات الأخرى، في نطاق الثقافة السائدة، في حدود المجتمع، واختيار المؤلف للعصر العباسي الأول، ميداناً تطبيقياً لدراسته السوسيولوجيّة له مسوغات تاريخيّة أساسيّة..

حيث تميزت هذه الفترة بازدهار مدهش في الحقول الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة. ولأن القوانين العامة للصيرورة التاريخيّة تقرّ بأن تاريخ العِلم هو بالضرورة نوع من التاريخ الاجتماعي، والثقافة بضروبها كافة، ظاهرة اجتماعيّة، والعِلم العربي نما وتطوّر في إطاره الاجتماعي.

واعتمد المؤلف المنهج السوسيوامبيريقي في تحليل الحقائق الاجتماعيّة للوقوف على العوامل التي حددت شروط تشكيلات المعرفة العلميّة، مُقراً أن مقتضيات البحث، قد تضطره (في بعض الأحيان) إلى الاستعانة بالنظرة الداخليّة لتطور المعرفة العلميّة العربيّة، بما فيه التحليل الإبستمولوجي الذي يقوم على الكشف عن بنية الممارسة العلميّة في العالم العربي.

يلج المؤلف إلى موضوع الكتاب الرئيس، بالتفسير السوسيولوجي لنشأة العلم وأصوله الفلسفيّة، ثم يتعرض للإطار الحضاري للعلم العربي في العصر العباسي الأول، مستعرضاً الخلفيّة الدينيّة لهذا العلم، بدءاً من عقيدة التوحيد والبنية الدينيّة والتشريعيّة، وانتهاءً بالتركيب الاجتماعي لدور العلماء العرب والمسلمين. ثم يقف عند صور المعرفة المتعددة ومكانتها ودورها الاجتماعي وصور المعرفة الدينيّة..

مؤكداً أن الثقافة الإسلاميّة الدينيّة، كانت تتمتع بسمات جعلت منها ثقافة مواتية لنمو العلم الطبيعي والعقلي في المجتمع العباسي الأول، وهي ثقافة استمدت مبادئها وخواصها من أمر الإله والوحي، وقامت على ربط العِلم بالعمل، وصاغ علماء الإسلام هذا المبدأ بقولهم: تعلموا العلم واعملوا به، ولا تتعلموا لتتجملوا به.

يوضح الكتاب أنه خضع تطور النظام الاقتصادي زمن الخلافة العباسيّة (حسب الكتاب) إلى جملة من العوامل المختلفة، منها: ضرورة الري الاصطناعي وازدواجيّة الزراعة (الحضر) وتربية المواشي (البدو) وتطور التجارة الخارجيّة وإنتاج السلع الراقية، تطور الاقتصاد النقدي.

وعملت الأيديولوجيا الحضاريّة الإسلاميّة العباسيّة، على إضفاء مضمون جديد لشكل علاقة الفكر بالعمل، استبعدت من خلاله النموذج اليوناني الذي يقوم على الفصل بينهما، وقامت على ربط الفكر بالعمل.

كما لعبت المؤسسات العلميّة في المجتمع العباسي الوسيط، دوراً هاماً في إرساء المشروع العلمي في المجتمع الإسلامي، وشجعت البحث العلمي، خصوصاً العلوم القديمة الطبيعيّة.

ينتهي الكتاب إلى التأكيد على أن الإنجاز العلمي في الحضارة الإسلاميّة، برهان موثوق على التوافق بين عقيدة الإسلام وعقيدة التوحيد وبين العلم بكل فروعه، ذلك لأن الكثير من النظريات العلميّة (خصوصاً في حقلي الرياضيات والفلك) أمكن لها النمو والصيرورة في المجتمع الإسلامي، بفعل من الحاجات الاجتماعيّة لهذا المجتمع، وهذا إن دل على شيء..

فإنما يدل على انخراط العلم العربي الإسلامي واندماجه في المجتمع الإسلامي الوسيط، الأمر الذي يؤكد ارتباط الآراء العلميّة للعالِم المسلم بعقيدته الدينيّة التي شكّلت الحافز الأكبر لتطور العلم في المجتمع الإسلامي، وأن النظام الثقافي الإسلامي نظام ملائم لازدهار العلم ونموه.

Email