الرعي.. المهنة الأعرق للبشريّة

غلاف كتاب تقاليد الرعي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبحث كتاب (تقاليد الرعي) لمؤلفه محمود مفلح البكر، في أعرق المهن التي احترفتها البشريّة بعد مهنة الصيد، هي مهنة رعي الحيوانات البريّة العاشبة المدجنة كالغنم، والمعز، ولاحقاً البقر، والحمير، والخيل، والإبل. وكانت البداية في هذه العملية (حسب المؤلف) التقاط بعض جراء الكلاب البريّة التي تآلفت مع الناس..

وأثبتت جدارتها في حراسة المنازل، ومطاردة الحيوانات في رحلات الصيد، وهذا ما لفت انتباه الإنسان القديم إلى بقية الحيوانات، وفي مقدمتها المعز، والغنم، ثم البقر، وهذا الأمر لم يتم دفعة واحدة، بل كان متدرجاً خلال فترة من الزمن، وفي أمكنة معينة، ما لبثت أن انتشرت لتشمل مناطق عديدة في العالم.

يوثّق الكتاب لتقاليد الرعي وما يتعلق بها من عادات وتقاليد وآداب، اعتماداً على مشاهدات المؤلف، وعلى الرواة الخبيرين، كما يعدد فوائد تدجين الحيوانات في فترة ما قبل التاريخ، ونشأة البداوة، ثم يُعرّج على مفهوم الراعي والفلاح في الأساطير القديمة، ويبيّن أهمية مهنة الرعي: اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً وثقافياً وفنياً، وفئات العاملين فيها ولباسهم ومهامهم (أثناء قيامهم بالرعي) وأدواتهم وأعدائهم وبيوتهم..

وموسيقاهم وأغانيهم وعاداتهم وتقاليدهم، خاصة بعد أن تمايزت مهنتا الرعي والفلاحة، وظهر زعماء رعاة، وزعماء فلاحة، وقيام تنافس بينهم على بعض الأراضي وأقنية الماء التي تخربها الحيوانات، والأرض المزروعة التي قد تعبث بها، وعلى السيادة والنفوذ، وربما على بعض النساء الجميلات، أو ذوات المراكز الاجتماعيّة العالية كالأميرات والكاهنات وصاحبات الثروة من المواشي والحبوب.

كما وجد المبدعون الأوائل من مؤلفي الأساطير في هذا التنافس (حسب الكتاب) مادة أدبيّة مثيرة.

من جانب آخر، كان لمهنة الرعي في البلاد العربيّة، دورها الهام في مختلف مجالات الحياة قديماً وحديثاً. إذ أفادت في تعزيز أواصر التواصل الاجتماعي بين مختلف المناطق المتنائية كاليمن والشام والحجاز ونجد والعراق ومصر..ومن ثم استمرت مهنة الرعي بلعب دور هام في تداول كثير من المعارف التراثيّة المتعلقة بعالم الحيوان، والطبيعة،والأشعار،والأغاني والحكايات، والأخبار.

بمعنى آخر: أنتجت المهنة، عبر التاريخ العربي، منظومة معارف وخبرات وعادات ومعتقدات وتقاليد وآداب وفنون، ولعبت دوراً هاماً في التواصل الاجتماعي والثقافي، والحفاظ على هُويّة الأمة العربيّة ولغتها.

Email