نذير نبعة.. فنان الواقعية

غلاف كتاب نذير نبعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يُحيط كتاب (نذير نبعة .. فنان الواقعيّة) لمؤلفه طارق الشريف، بتجربة هذا الفنان التشكيلي السوري (مواليد دمشق 1938) المنتمي لجيل ما بعد الرواد في التصوير السوري المعاصر..

والذي أعلن منذ البداية، انحيازه للواقعيّة التعبيريّة الملتزمة بقضايا الإنسان الكادح والمناضل والجميل. إذ كرس مشروع تخرجه في كلية الفنون الجميلة في القاهرة عام 1964 لعمال مقالع الحجارة، ثم أوقف تجربته على الفدائي العربي بعامة، والفلسطيني بخاصة، ثم توقف عند مسقط رأسه دمشق.

صنف الكتاب تجربة الفنان نبعة في ثلاث مراحل هي: الواقعيّة، الارتباط بالإنسان، والحداثة الفنيّة. ثم يحلل لوحات المرحلة الأخيرة من هذه التجربة التي حددها بعامي 1979- 1990، وأبحر بعدها في أعماقها ليصل إلى لمحة موجزة عن حياة الفنان.

ويرى الكتاب أن الفنان نبعة استطاع إثبات جدارته كفنان طليعي، بعد إنتاج فني متواصل يمكن وصفه بالواقعيّة المبسطة والمعبّرة، انتقل بعدها (وبالتحديد في معرضه الأول عام 1965) إلى الواقعيّة التعبيريّة، وذلك حين ربط أعماله بالدفاع عن الإنسان وعن استلابه وضياعه في عالمنا المعاصر، ثم انتقل إلى فن سياسي مباشر اختصر من خلاله الإنسان وتقدمه، ثم الإنسان الشهيد، والإنسان المقاتل، وأبطال الملاحم والأساطير والسير الشعبيّة.

بعد سفره إلى باريس للدراسة العليا (1071-1974) أخذت الواقعيّة عنده شكلاً جديداً، اتجهت من خلاله إلى تحليل الواقع، الأمر الذي أدخل تجربته الفنيّة في تصور جديد للفن، يؤمن بأن الأفكار يمكن التعبير عنها بأبسط الصيغ، مقدماً الحلول الفنيّة الممكنة التي اتكأ فيها على الرموز، ما أعطى موضوعاته العمق الضروري.

يُؤكد المؤلف أن الفنان نبعة دمج في صياغته للوحة بين أكثر من أسلوب حتى اكتشف ما كان يبحث عنه، واضعاً كل ذلك أمام تساؤل أساس حول مدى مقدرته كفنان، على الإيصال والتفاعل مع الناس، وذلك لكي يحل الإشكال الأساسي الذي كان يشغله في المراحل الأخيرة ألا وهو أن يقدم الفن الأصيل الواقعي العميق، والقادر على التفاعل مع الآخرين، عبر لغة مقروءة.

بمعنى آخر: اكتشف نذير نبعة أن الحداثة الفنيّة يمكن أن تكون عن طريق لغة فنيّة واقعيّة، لها أبعادها المحدثة العميقة، وأن التعبير عن الإنسان ومشكلاته، يرتبط ارتباطاً عميقاً بقدرته على إعطاء الواقعيّة المضمون الحديث، عن طريق الرموز المختلفة...

والمفاهيم الفنيّة الجديدة، مستفيداً من تجارب الفنانين الحديثين الذين عمّقوا مفهوم الواقعيّة وأضافوا إليها المضامين الإنسانيّة، والعمق المستمد من الحداثة الفنيّة، فنقلوها من خلال أعمق الأفكار بأبسط الأشكال، وهو ما حوّل الأفكار إلى: رمز، ولون، وخط، ومساحات، ووجوه.

ويؤكد الكتاب على سعي الفنان نبعة لاكتشاف لغة فنيّة شخصيّة خاصة به، وفرت للوحته الأعمق والجديد، والإضافات الفنيّة التي تجاوزت الماضي بالانتماء لما هو معاصر، وهذه النزعة جعلته يتوصل إلى مرحلة مد فيها الجسور إلى كل ما أفرزه الفن الجديد من اتجاهات وأساليب ورؤى، لكن دون أن يتخلى عن التزامه، ولا عن تمسكه بأرضه وما في هذه الأرض من تراث، وهذا ما قاده في النهاية، إلى الفوز بفن يتمتع بخصوصيّة تتجاوز الوافد والموجود والموروث.

Email