الجمال الموسيقي.. تاريخ الغناء العربي

غلاف الجمال الموسيقي - البيان

ت + ت - الحجم الطبيعي

يستعرض كتاب «الجمال الموسيقي»، لمؤلفه د. علي القيم، مجموعة من المقالات والدراسات تاريخ الموسيقى والغناء. ويرى أنَّ أول نوع من الغناء عند عرب الجاهلية، كان تنغيماً تلقائياً بسيطاً، لأشعارهم. كما كان يسمى «حداء الإبل» الذي يتسلى به البدو في رحلاتهم الطويلة عبر الصحراء بالغناء.

وكان هناك نوع آخر من الغناء عرف في الجاهلية يُسمى «الرجس»، تغنيِّه النساء عندما يذهب الرجال للقتال، ونوع ثالث يؤدى في مناسبات الزواج والأفراح، فضلاً عن النواح وألحان المراثي في ظروف الموت والأحزان. ومن المعروف أنَّ المغني سعيد بن مسجح هو أوَّل من أدخل غناء الفُرس إلى العربية، وسافر إلى الشام..

وأخذ عنه من جاء بعده من مغني المدينة المنورة، وغيرها، وشاع الغناء في الدولة العربية الإسلامية، وراجت بضاعته باتساع أسباب الحضارة والرخاء، وتكاثرَ المغنون لما شاهدوه من رغبة الخاصة في الغناء، فنبع جماعة من المهرة الموسيقيين، الذين أتقنوا هذه الصناعة وآلاتها إتقاناً حسناً.

وفي العصر الأموي تطور الغناء تطوراً واضحاً إذ امتزج بشيء من قواعد الموسيقى الفارسية والرومية، بحكم الاحتكاك والتثاقف، وظهر الموسيقيون العرب الذين يدعون إلى الجديد وترك القديم الجاهلي، وكثر أهل الطرب والغناء والشعر أمثال ابن سريج والفريض ومعبد بن وهب، وظهرت الأغنية الفردية التي كانت تؤدى بمصاحبة العود، وأصبحت دمشق عاصمة الدولة العربية، والغناء والفنون العربية المختلفة.

وفي العصر العباسي زاد الاهتمام بالموسيقى. وساعد هذا الاهتمام على نمو الذوق العام، وإقبال الناس على هذا الفن الجميل. ويذكر المؤلف أغنية «الدلعونا»، وهي أغنية قديمة قدم الحضارة في سوريا، رصدت حياة الناس ومتغيرات العادات والتقاليد والأفراح، ومقاييس الجمال وحالات الحب والوجد.

وتضم حواريات جميلة معبِّرة، وتتغير من حال إلى حال ومن منطقة إلى أخرى، ولا أحد يدري من ألَّفها ووضع ألحانها. وإضافة الى الدلعونا تأتي أغنية «اللالا» و«أمُّ الزلف». وهي تحظى في الريف السوري وبلاد الشام بشهرة كبيرة، كما أنها مقطوعات شعرية مغنّاة، وكل مقطوعة تمثل قصة.

وينتقل القيم بعد ذلك للحديث عن الأخوين الرحباني عاصي ومنصور الذي يذكر مسرحياته. ثمَّ يسرد حياة الشاعر فخري البارودي، الذي أخذت الموسيقى من حياته الشيء الكثير، فكان أحد روادها في سوريا والوطن العربي. ويرى البارودي أنَ واحداً في المئة من المغنيين- حتى الحذَّاق منهم، لا يعرفون تأثير صفات الغناء التي منها الاسترسال والتمديد.

وعن دور حلب في الموسيقى، يقول المؤلف: لولا حفاظ حلب على الموشحات لضاعت هذه الصناعة وأضحت في ذمة النسيان. إذ انتقلت الموشحات من الأندلس إلى المغرب العربي فإلى حلب، ومنها إلى مصر على يد الفنان الحلبي شاكر الحلبي في سنة 1740، الذي لحَّن أصولها وضروبها وحفظّها للمصريين وأورثوها لمن بعدهم..

ففي عصر عبده الحامولي استطاع محمد عثمان تطوير الموشحات وتجديدها، بإدخال ألحانٍ أتى بها من الشام إثر جولاته فيها. أمَّا عن رواد الطرب في حلب، فبدأت المسيرة مع شاكر الحلبي، وتلاه الشيخ علي الدرويش الذي أسهم في النهضة الموسيقية العلمية في مصر، وكان أنطوان الشوا أوَّل من أدخل آلة الكمان إلى الفرقة الموسيقية في مصر، وأخذ عنه ابنه سامي عزفه البارع وعِلمه الكبير..

وجميل عويس الذي علّم سيد درويش قراءة «الصولفيج» وكتب له جلَّ ألحانه التي لولاها لضاع أكثرها، وكميل شمبير هذا الموسيقي والملحن الذي كان له الفضل في إثراء الحركة الموسيقية والمسرحية العربية. وصبحي الحريري المعروف بأسلوبه الفريد في الآذان والتسابيح وإنشاد القصائد الدينية.

وأيضا، توفيق الصباغ صاحب المخترعات والمؤلفات الموسيقية، وأحمد الأوبري الذي أولى التأليف الآلي والغنائي جلَّ اهتمامه، وأحمد الفقش صاحب الشخصية المتفرِّدة في الغناء. وغيرهم من العباقرة الذين يصعب حصرهم وعدَّهم.

Email