أول حاضرة عربية يطبع فيها كتاب باللغة العربية

الحياة الفكرية في حلب في القرن التاسع عشر

ت + ت - الحجم الطبيعي

يدرس كتاب «الحياة الفكرية في حلب في القرن التاسع عشر»، لمؤلفه فريد جحا، الطرق والمراحل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرّت بها المدينة، ويتناول النشاطات الفكرية والثقافية، خاصة المدارس والمطابع والطباعة والمكتبات والنسخ والصحافة.

ويوضح المؤلف أن التعليم في مدينة حلب كان ساذجاً بسيطاً في القرن التاسع عشر، ثم أخذ في التطور، فأنشئت مدارس الإرساليات الأجنبية والمدارس الوطنية، ومدارس الدولة، فكانت فيها المكاتب الإرشادية والإعدادية (الابتدائية والسلطانية)، وكانت فيها المدارس الملكية والمدارس العسكرية.

وعرفت حلب أوّل مطبعة عربية، وفيها سبكت أوائل حروف الطباعة، وطبع فيها للمرة الأولى، كتاب باللغة العربية والحروف العربية، وذلك في عام 1706، ثم أخذها الرهبان الكاثوليك إلى «ظهور الشوير».

ظلت حلب من دون مطبعة حتى عام 1841، إذ أنشأ بلفنطي مطبعة حجرية طبعت ديوان «ابن الفارض»، فكان أوّل كتاب غير ديني يطبع في سوريا. تلتها المطبعة «المارونية» في عام 1857، وقد طبعت الكتب الدينية والأدبية والمدرسية ودواوين الشعر والتقاويم، ولا تزال هذه المطبعة قائمة حتى اليوم، ثم أسست مطبعة «الولاية»..

وكانت تطبع فيها جريدة الفرات سنة 1867، وتطبع أيضاً الأوراق الرسمية والحكومية و(السالنامات) كذلك، ثم تتالت بعد هذا المطابع في حلب، فكانت: المطبعة «العزيزية»، و«الفوائد»، وغير ذلك، وكلها أنشئت بعد إعلان الدستور عام 1908.

وشهدت حلب أوّل مكتبة عربية في عهد سيف الدولة الحمداني 944 – 966 م، إذ عظمت الحركة العلمية وقامت دولة الأدب، فصارت الشهباء في عهده محط الرجال وموئلاً لعظامهم، ونقل عن الحافظ الذهبي في تاريخه أنّ خزانة الكتب كانت تضم عشرة آلاف مجلّدة..

كما نقل ابن العديم في كتابه أنه كان في زمن أبي العلاء خزانة كتب بجامع حلب، وأنها نهبت في فتنة، ثم جددها الوزير أبو النجم، ووقف هو وغيره كتباً أخرى لها، ثم تلتها خزانة الكتب النورية التي وقفها نور الدين الزنكي على مدرسته في حلب، وتتالى تأسيس المكتبات والمدارس في حقب عديدة.

ثم أسس أحمد القادري، في أوائل القرن الحادي عشر، في تكية الشيخ أبي بكر، مكتبة ضمت كتباً في مختلف العلوم والفنون. وكان القرن الثاني عشر الهجري قرن المكتبات في حلب، ففيه أنشئت «المكتبة الأحمدية والعثمانية والكواكبية والبختية والمارونية»، وشهد القرن الثالث عشر الهجري إنشاء عدّة مدارس وقف عليها مكاتب، ثم تتالى تأسيس المكتبات على فترات متلاحقة.

ومن ثم أسهم الشيخ راغب الطباخ في إنشاء المكتبة الوطنية بحلب في غرفة ضمن خان الجمرك عام 1923م، وانتقلت إلى باب الفرج في بناء مكوّن من طابقين. وهناك أيضاً مكتبات مسيحية عامّة، من أشهرها المكتبة المارونية.

وبدأت صلة حلب بالصحافة عام 1855م، حين أصدر رزق الله حسون جريدة «مرآة الأحوال»، وساعده على تحريرها لويس صابونجي، ثم عبد الله مرّاش، وكانت مكتوبة بخط جميل، فجاءت «آية في الظرف وبلاغة الإنشاء». ولم يكتف بذلك، بل أصدر أيضاً مجلة أدبية سمّاها «رجوم وغساق إلى أحمد فارس الشدياق».

وأصدر والي حلب جودت باشا جريدة «الفرات» التي تولّى تحريرها مكتوبجي الولاية «حامت بك»، ثم نيطت بكامل الغزي. وكانت تنشر أخبار الولاية وأوامر الحكومة وإعلاناتها، وصدر لها ملحق باسم «غدير الفرات». وفي أيار عام 1877م صدرت أوّل جريدة غير رسمية، وهي جريدة «الشهباء» الأسبوعية لصاحبها هاشم العطار..

إلا أن الوالي لم يحتمل صدورها فأمر بإغلاقها، لكن العطار لم يرضخ للوالي، وأصدر جريدة أخرى باسم «الاعتدال» في الخامس من تموز عام 1871م، لكن جميل باشا الوالي أمر بإغلاقها. وبعد عام 1908م بادر المواطنون في حلب إلى إصدار الجرائد، وبلغ عدد الصحف والمجلات الصادرة تلك الفترة إلى غاية عام 1911 (25)، وبعد الحرب صدرت 28 مجلة وصحيفة.

Email