المرايا الخلفية تجربة الإبداع برؤية تشكيلي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يكشف كتاب «المرايا الخلفية»، لمؤلفه مارون الحكيم، عن الآلية الإبداعية لعملية الخلق الفني حين يرسم أو ينحت الفنان (وبقصد نفسه تحديداً كنموذج)، إذ يرى أنه حين تجتمع التقنية بالعفوية في لعبة الفن الصادمة والصادقة، يتبدَّل العمل الفني من الحرفية القادرة إلى الاحترافية- الرسالية.

 ويضيف: "تذوب المشاعر والرؤى في المواد لتصبح شكلاً آخر لمعانٍ تغدو ذات سحر، فتطفو أمام العين وتبرق في العقل وتلتصق بالذات الجماعية. فيداعب الفنان أدواته ويسكر بعشق المواد، فتتحول طبائع الأشياء لتصير نسيجاً من إشعاع ونور، فتخطفني إلى عواملها المشعة بالأحاسيس والتداعيات ذات الاحتمالات والتأويلات الفنية اللامتناهية. هذه النبرات المرشوشة على سطح القماش تفعل فعلها في الكيان..

فتنغرز وشماً يحاكي خفايا روحي: لطخات لونية، زيوح ونقاط، تمشيحات وخربشات، أضواء وظلال، تموجات واتجاهات وانعكاسات، هلوسات وأحلام، تأملات وتفحصات، إعادة صياغة ودوزنات، تلوين بطبقات فوق طبقات، وتدرجات تلي تدرجات، سماكات وشفافيات، تمشيحات وارتجاجات، قحف وتلييس، مشط وتدليك، برم وحدل، تنقيط وتزييح، تحديد لاتجاه".

ويقول الفنان عن الألوان: "تأخذني الألوان إلى الذهول والانبهار والنشوة المطلقة. تنهنهني شظايا تدرجاتها وإشعاعاتها وعتماتها وذبذباتها المتواترة المتوترة والهادئة. تدغدغني تنوعاتها وأصنافها، خصائصها ولواعجها، نبراتها وزكزكاتها، سماكاتها وشفافياتها، دلالاتها وعدميتها، رموزها وضياعها.. اللون لن يعرف حدوداً ولن يستكين سحره وتدفقه. سيبقى ينزف من شرايين الخلق إشعاعات تنبض بالحياة، بالجمال، بالألق".

أما عن المحترف/المرسم، فيقول المؤلف/ الفنان: " لا قيمة للمحترف كمكان من سقف وحيطان وموجودات. إنه الإرادة الحية المتجددة في قاع الفنان. إنه الإصرار والشجاعة والإقدام والتجرؤ على المحاولة والتجريب والاختيار. باختصار، إنه إرادتي وأناي المحضونة في هذا الحيز المكاني المسمى (محترفاً).. المحترف هو تلك القيمة الفنية المكونة من اتحاد المكان مع مزيج المواد والأفكار والحواس والهلوسات والأحلام والرؤى...".

ثمَّ يتحدث الفنان عن الزمن الفني : " ثمرة عصارة المعايشة والمشاهدة والتأمل والتذكر والتخيل والاستشراف. استشراف مكامن الجمال والصعود بها درجة درجة صوب الأسمى والأكمل. ولكي ألتقط إشارات هذا الزمن وأحفظها يتعين عليَّ أن أكون مستعداً في كل حين للعمل والبحث والإصغاء إلى هتافات مدوية قد لا تتكرر نداءاتها.

فيصير هذا الزمن واقعاً ملموساً متمثلاً في مجموعة من الأعمال والإشكاليات الفنية الحاضرة لعرضها. فتغدو ملكاً لعيون المتذوقين.أما من أين أستمد ثقتي بعملي الفني، فهذه مسألة تتعلق بثبات شخصيتي وجرأتي على الإقدام من دون تردد أو خوف".

وعن دور الطبيعة في عملية الإبداع، يعتبر الفنان مارون الحكيم أن الطبيعة وما يحيط بها، تصبغ حياة الإنسان بخصائصها، فتنطبع مؤثراتها على شكله الفيزيولوجي ونشاطاته العضوية وطاقاته الفكرية والثقافية والفنية. ويبين أنه تتحكم الطبيعة برؤيته الفنية فتلتقط العين إشعاعات الأوان وتغمرها.

ويتابع: " تتشبع الروح من جمالات تناسقها وانسجامها وتوازنها وسيطرته، وتنحفر هذه الإشعاعات اللونية في داخل الفنان. فتخرج من ذاتي مشبعة بمفاعيل اللاوعي، وخصوصية رؤيتي، وكيفية طرحها على المساحات البيضاء بأساليب مختزلة، مبسطة ومتحررة من وظائف الأشكال وواقعيتها".

 المؤلف في سطور

مارون الحكيم. أديب وفنان تشكيلي لبناني. نقيب الفنان التشكيليين اللبنانيين 2002-2009، يحمل دبلوم دراسات عليا في الرسم والتصوير من الجامعة اللبنانية 1975. نظم العديد من المعارض الجماعية والفردية في لبنان وخارجه، وأعماله منتشرة في كثير من البلدان العربية والأوروبية.

الكتاب: المرايا الخلفية

تأليف: مارون الحكيم

الناشر: بيسان للنشر والتوزيع والإعلام بيروت 2013

الصفحات: 92 صفحة

القطع: المتوسط

Email