«راسموس والمتشرّد»

نُبل متأصل يهزم العوز والظلم

ت + ت - الحجم الطبيعي

أول ما تذكرنا به رواية «راسموس والمتشرد»، للكاتبة السويدية أستريد ليندغرين، هي رواية «أوليفر تويست» الشهيرة للكاتب الإنجليزي تشارلز ديكنز، ذلك أنها تشترك معها بالحديث عن فتى يعيش في ملجأ للأيتام ويهرب منه بسبب قلة الرعاية الاجتماعية وقسوة حياة الملجأ، فضلاً عن اشتراك الروايتين بالأحداث المتتالية التي يصادفها الفتيان الهاربان من الملاجئ واحتكاكهما بالعالم الخارجي للمرة الأولى في حياتهما وما يصادفانه من صراع بين الخير والشر ربما يودي بحياتهما.

وهناك رسالة إنسانية من خلال هذه الروايات موجهة إلى المجتمعات، مفادها ضرورة رعاية هؤلاء الأيتام وتوفير الحماية لهم وتأهيلهم لحياة مستقرة قبل انحرافهم وانجرافهم إلى عالم الإجرام حيث يشكلون خطراً على المجتمع الذي لم يُحسن رعايتهم في ملاجئ الأيتام.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن تشارلز ديكنز ذاته «1812 ـ 1870» عاش طفولة تعيسة، ولم يتعلم في المدارس سوى لمدة 3 سنوات بين التاسعة والثانية عشرة من عمره. إذ اضطر إلى ترك الدراسة والعمل لكي يعيل نفسه بعد سجن والده بسبب الديون المتراكمة عليه.

وهذه الظروف القاسية ونبرات المرارة انعكست في معظم رواياته وشملت معظم أعماله الأدبية، ومنها على وجه الخصوص: «أوليفر تويست» و «ديفيد كوبرفيلد».

وبطبيعة الحال فإن حبكة ومجريات رواية «راسموس والمتشرد»، تقترب كثيراً من وقائع ودقائق رواية «أوليفر تويست» والتي هي الأقدم من بين عملي ديكنز المذكورين، إذ ولدت أستريد بعد وفاة ديكنز بعدة عقود. وأوليفر تويست كما جاء في الرواية فتى يتيم وحقير في نظر مسؤولي الإصلاحية ويُعامل بمهانة ويُضرب هو وأقرانه إذا اشتكوا من الجوع.

ونظراً لتمرده فإنه يُزج به في العمل لدى حانوتي وهو في سن مبكرة، حتى أن الإصلاحية تمنح الحانوتي مكافأة للتخلص منه، وحين يجد أوليفر معاملة الحانوتي لا تختلف عن الإصلاحية يهرب، وهو ما سهل وقوعه بأيدي عصابة إجرامية يقودها يهودي يُدعى فاغن. وتحولت رواية «أوليفر تويست» وكذلك رواية «راسموس والمتشرد»، إلى فيلمين.

فتى حالم

أما أستريد ليندغرين فأرادت أن تقول إن الأطفال في ملاجئ الأيتام حين يعاملون بقسوة فإنهم يفكرون بالهرب ويضعون أقدامهم على أول طرق الضياع، ويبقى كل واحد منهم مرهوناً بالحظ الطيب أو السيئ الذي يصادفه في تلك الطرق المجهولة والخطرة.

وبطل روايتنا، راسموس، هو فتى في التاسعة من العمر يحلم بأبوين طيبين يعيش معهما، ولذلك يحلم كثيراً بينما هو يتسلق الأشجار ويختبئ أحياناً بين أغصانها ليتخلص من واجبات قلع البطاطا في الميتم، والتي باتت مهام شبه يومية لذا هو يكرهها خاصة في أوقات الصيف الحارة. ولهذا أيضا، هو يكره عجرفة الآنسة هوك التي تعارض بشدة لعب الأطفال فوق الأشجار.

كما أن على الأطفال رعاية الدجاج الذي يُربى في الميتم وتجميع القرّاص لإطعامه، فميتم فايسترهاغا الذي ينتمي إليه راسموس تابع للبلدية، ويحصل على قسم من دخله من بيع البيض والخضار ويشكل أطفال الميتم أيادي عاملة رخيصة وضرورية.

مأساة «الشعر الناعم»

ويزيد من تعاسة راسموس أن كل الذين يأتون إلى الملجأ بحثاً عن أطفال كي يتبنوهم، يختارون فتيات بشعر أجعد، بينما هو ولد بشعر ناعم. ففي التاسعة من عمره كان على راسموس أن يستحم كالآخرين لأن رجلاً وزوجته سيأتيان لاختيار أحد الصغار.

وبعد عدة ساعات اختارا غريتا ذات الشعر الأجعد، ومع ذلك رفض التخلي عن الأمل بالحصول على بيت وأبوين. وخلال فترة الاستحمام، كان يلعب مع صديقه غونار الذي رشه بالماء، فما كان من راسموس إلا أن حاول دلق ماء الطست كله عليه، ويا للحظ إذ حين رماه ابتعد غونار هاربا، وإذا بالماء كله يغرق المديرة الآنسة هوك بعد أن فتحت الباب فجأة.

كان على راسموس أن يحضر إلى مكتب الآنسة هوك صباح اليوم التالي لينال عقابه بالخيزران، وهو ما جعله يهرب في الليل. هرب وهو لا يملك سوى خمسة بنسات وصَدَفة.. آثر أن يترك الصدفة عند سرير غونار كتذكار منه لأعز صديق، بعد أن رفض غونار الهرب معه.

مشردان

هرب راسموس ليلاً، ووصل مع الفجر متعباً إلى حظيرة رمادية صغيرة، من تلك التي يفضلها المتشردون. وحين استيقظ وجد متشرداً آخر يشاركه النوم على القش. كان المتشرد رجلاً بالغاً يدعى بارادايس أوسكار..عطف على راسموس وأعطاه وجبة طعام. وأخرج أوسكار أوكورديونا صغيرا وعزف عليه، ثم غنى:

شعرها بسواد أحلك الليالي..

فما غرابة بقاؤها في بالي؟..

واصل راسموس وأوسكار تشردهما، وتعرف راسموس على الكثير من الأشياء خلال صحبته لأوسكار، ووصلا إلى بيت العجوز هيدبرغ التي وصفها أوسكار بألطف عجوز في العالـَم، وتحدث عن كرمها حين غنى لها وبكت:«لكل غابة ربيعها.. وللحقول زهورها»، ومنحته نصف كرون.

لم تستقبلهما كما توقع أوسكار وهو يعزف لها ويغني مجدداً، والسبب أن عصابة كانت تحتجزها في البيت وسرقت منها عقدها اللؤلؤي الثمين بمساعدة من خادمتها آنـّـا ستينا.

وهذه العصابة المكونة من شخصين هما ليف ولايندر، هي نفسها التي قامت بعمليات سطو وسرقة سابقة، ولذا تبحث عنها الشرطة، وحين شوهد أوسكار احتجزته الشرطة ولكنها لم تعثر معه على أي من المسروقات فأطلقت سراحه.

تصرف صحيح

وحين عرف أوسكار وراسموس أفراد العصابة، بعد أن تسلل راسموس بمساعدة أوسكار إلى الطابق العلوي من بيت العجوز هيدبرغ وصار يسترق السمع والبصر لهما، أيقنا بمعرفة العصابة المسلحة بمسدسات، لهذا قررا الكتابة للشريف لإلقاء القبض عليهما، وبعد سلسلة مغامرات كاد راسموس وأوسكار أن يقتلا فيها، تمكنت الشرطة من إلقاء القبض على العصابة وخادمة العجوز هيدبرغ المتواطئة معها بسبب الرسالة التي كتباها، ولهذا كرم الشريف أوسكار ومنحه ثلاثة جنيهات، ولكنه أصر على احتجاز راسموس لإعادته إلى الميتم، فما كان من راسموس إلا الهرب.

ومن ثم عادا مجدداً إلى التشرد ومرا على السيد نيلسون من مزرعة ستن، حيث استقبلهما السيد نيلسون هو وزوجته وأكرماهما، وأعجبا براسموس، وطلبا تبنيه، وافق راسموس، فهو كان يحلم بأبوين يحنوان عليه، ولكنه في الصباح غير رأيه وطلب الالتحاق براسموس الذي كان يحن عليه كأب.

 سارا طويلاً ليكتشف بعدها راسموس أن أوسكار عنده بيت وله زوجة تدعى مارتينا، ولكنها كانت غاضبة من أوسكار الذي يتركها بين الحين والآخر ليعيش متشرداً بعد أن يترك لها ورقة على الطاولة. ولكن مارتينا سرعان ما غفرت لأوسكار واحتضنته، وتعرفت على راسموس وأحبته، ولهذا قررا تبني راسموس وإخبار الميتم بقرارهما ليعيشوا معاً بسعادة.

Email