«المومين» قصص عالم يحكمه الخير

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تنحدر الروائية الفنلندية توفه يانسون من أسرة فنية. فأبوها كان نحاتاً وأمها رسامة ومصممة طوابع، ولهذا بزغ نبوغها وتفجرت موهبتها الفنية والأدبية مبكراً. وتحوز قصص رائعتها «عالـَـم المومين»، مكانة مهمة في سجل الأدب العالمي.

كتبت توفه يانسون قصص «عالـَم المومين» لذلك العالـَـم الذي يحكمه الخير حيث يعيش الجميع في ظله بتفاهم ووئام وحياة مزدهرة، تبلغ شخصيات عالـَـم المومين حوالي الثلاثين شخصية فضلا عن المخلوقات الضاحكة.

وتناولت رسومات توفه في هذا العمل، الطبيعة القريبة من بيئتها، فكان نصيب الغابات والأرخبيلات الساحلية الصغيرة كبيراً، فضلا عمّا شابهها من مناظر طبيعية مكسوة بثلوج الشتاء الطويل، الذي يمر على مجمل دول شمال أوروبا، وخاصة المتاخمة للقطب الشمالي، كفنلندا.

وكتعبير موازٍ لظروف بيئتها وشخصيات «عالـَـم المومين»، فإنها تنام في الشتاء وتستيقظ في الربيع وهي متآلفة وتسيطر على عالـَـمها وتحل مشاكلها بتفاهم ووئام. والجميل اللافت جدا، ما تمتاز به شخصيات المومين من تسامح يمتزج بشيء من روح المشاكسة.

عشق للوحدة

أشارت الباحثة، الدكتوره بويل فستين، في دراساتها إلى عشق توفه يانسون للوحدة ورغبتها الجارفة للعيش في جزيرة معزولة، لكي ترسم وتكتب بهدوء، وهذا الحلم لم يتحقق لها إلا في أخريات حياتها، بعد أن اشترت لنفسها جزيرة صغيرة وانتقلت إليها بقارب وعاشت فيها بعد أن بنت منزلها هناك.

ورواية «بابا مومين والبحر» كانت في سياق ذلك العشق، ومحاكاة له، حيث اختارت أسرة مصغرة للمومين من أربعة أفراد يتركون مسكنهم ليهاجروا إلى جزيرة معزولة والعيش هناك. وترجمت دار المنى السويدية الرواية للغة العربية.

نيران في الطحالب

تفاصيل وجماليات كثيرة تنسج خيوطها توفه يانسون في هذا العمل:.. تسكع بابا مومين في حديقته على غير هدى، وذيله يكنس الأرض خلفه على نحو سوداوي، وشدد مراراً وتكراراً على ضرورة التنبه والاحتياط في شهر اغسطس الحار، خشية حدوث حرائق في الغابات قائلا:«ثمة مسؤولية تقع على عاتق أصغر مخلوق يستطيع وضع يده على عيدان الثقاب».

وتتابع الكاتبة: اشتعال النار في الطحالب والحشائش حول مسكنهم دفع بابا مومين إلى التفكير الجدي بمغادرة المكان وأسرته، إلى جزيرة مهجورة حيث توجد منارة. كما أن ذلك ربما يبعدهم عن «الغروك» التي لا تحب أحداً وتدخل بيتهم دون استئذان رغم أنها لم تؤذِ أحداً منهم ( والغروك: كائن خيالي شبيه للسعلاة في آدابنا العربية ).

«هنا سنعيش»

عبّر بابا مومين عن رغبته بامتلاك الجزيرة وقال لأسرته:«هناك سنعيش، ونبدأ كل شيء من جديد، من نقطة الصفر». وسأل الولد الكبير ماما مومين: «أكنتِ تعلمين أن هناك منارة في جزيرة بابا؟». فأجابت:«نعم، طبعا...». وحين ركبوا مركبهم اختار بابا مومين الليل الهادئ للرحلة، قبض على الدفة بإحكام قائلا: «هناك سنعيش، هناك ستكون منارتي مركز العالـَـم...».

والغروك تبعتهم على جزيرة ثلجية. وفي الطريق شاهدوا بالكاد صياداً في عتمة البحر، نظر إليهم شزراً، وحين سألوه عن الجزيرة والمنارة، أشاح بوجهه عنهم، وواصل طريقه بعد أن قال: لا أدري. عودوا إلى دياركم«.

ساروا طويلا في البحر ولم تظهر المنارة، واستمروا في ذلك طوال النهار الذي يليه. ثم، وفي الليل التالي، أشعل بابا مومين غليونه وهو يردد:» سأستحوذ على المنارة. وأعرضها على عائلتي وأقول هنا سنعيش، طالما نحن بأمان في الداخل«. وحث أفراد أسرته لكي لا يتسرب لهم اليأس.

وأخيراً وصلوا إلى الجزيرة، ورؤوا المنارة عالية وشامخة، كان بابها مقفلا، ومسمار المفتاح بقربها خاليا. واضطروا إلى المبيت في العراء. عثر بابا مومين، صدفة، على المفتاح مخبأ بين الصخور في مكان قريب من البحر، حدس أن ذلك المكان كان المفضل لحارس المنارة. دخلوا المنارة وصعدوا درجها، واستقروا هناك بعد أن نظفوا المكان من الزجاج المتهشم والأتربة. وحاولوا اكتشاف الجزيرة.

وجدوا بيتاً صغيراً من الحجارة والأسمنت عند رأس الجزيرة الغربي.. تبين لهم أنه يعود للصياد، وحين حاول بابا مومين محادثته وجد منه صدا. ماما مومين حاولت أن تعثر على قطعة أرض تصلح للزراعة والعناية بها، أما بابا مومين فبحث عن مكان أفضل لمركبهم يصلح كميناء آمن. أما الابن مومين ترول فبحث عن مكان خاص يقضي فيه أوقاته بعيدا عن الجميع.

شاي ورسم وغناء

قضى أفراد الأسرة بعض الليالي الهادئة، كانوا فيها يتناولون الشاي، اعتادت ماما مومين أن تشعل شمعتين وتضعهما على الطاولة، وعلى الجدار الداخلي للمنارة واظبت ماما مومين على رسم وادي المومين. الغروك كانت تجلس عند مياه الشاطئ، تغني أحياناً، وفي أحيان أخرى يكثر عواؤها.

شاهد مومين ترول فرسي بحر يتسابقان، أحبهما وحاول أن يصادقهما. قال مرة:» الجزر في الليل جميلة جدا، وهذه جزيرة بابا، لكني لا أعرف ما إذا ننتوي أن نعيش هنا طوال عمرنا أم لا. أحياناً أعتقد أن هذه الجزيرة لا تحبنا. إنما الأهم من هذا وذاك أن تحب هي بابا...».

ولكن البحر هاج وماج يوماً، قذف رذاذه عالياً، وفي طرف الجزيرة لاحت الأمواج كتنانين بيضاء. انهار بيت الصياد في اللحظة التي غادره، سقط في الماء في الوقت الذي انقلب عليه قاربه، أنقذه بابا مومين. قال بابا مومين:» لن ينفع أن تتشاجر الجزيرة مع البحر، ينبغي أن تنشأ بينهما صداقة.. جزيرتي تنبض بالحياة مثل الأشجار والبحر، كل شيء هنا حي. غداً عيد ميلاد صياد السمك. ولأن أسرة المومين مسالمة ومتسامحة فقد دعت صياد السمك إلى المنارة لإقامة حفلة عيد ميلاد له، وهناك قدمت له الهدايا.

 

 

Email