مسرحية تراجيدية رومانسية من روائع النصوص

جان دارك..عذراء أورليان وتحفة شيللر

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

«قلبها ظل سليماً لم يحترق»، بهذه الجملة وصف فيلم أميركي يحمل اسم «جان دارك» القديسة الفرنسية أو «عذراء أورليان»، مشهد نهايتها بإحراقها حية بعد إدانتها أمام محكمة إنجليزية بتهمة الهرطقة والابتداع، وهي في سن العشرين من عمرها.

حيث اعتبرها البعض أيقونة وطنية في التاريخ الفرنسي، وقد ألهمت هذه الشخصية العديد من الكتاب، من ضمنهم الشاعر والمسرحي الألماني فريدريش فون شيللر، الذي كتب في عام 1801، مسرحية «جان دارك..عذراء أورليان»، وهي مسرحية تراجيدية رومانسية عرضت لأول مرة في 11 سبتمبر 1801.

تقريظ غوته

وتعد من أكثر أعمال شيللر شهرة في حياته وبعد موته. وتقع هذه المسرحية في عصر الكلاسيكية الذي كان شيللر وجوته أهم ممثليه. وتدور أحداث المسرحية حول حياة جان دارك.عذراء أورليان. ولم يتجاوز غوته الحقيقة عندما قال: «إنها أفضل ما كتب شيللر على الإطلاق، ويدور موضوعها حول الكفاح والنضال دفاعاً عن الوطن ضد الأطماع الأجنبية وضرب المثل في التضحية والفداء في سبيل الوطن كواجب قومي ومطلب ديني».

ومسرحية عذراء أورليان من مسرحيات شيللر التي حظيت في العالم العربي باهتمام ملحوظ فقد صدرت في عام 1928 ترجمة جزئية لها ضمن مجلة «المورد الصافي» بعنوان: «جان دارك عذراء أورليان على الطريقة الرومانية».

وقد أنجز تلك الترجمة شديد حداد. وفي عام 1936 نشرت مجلة «الهلال» المصرية ترجمة جزئية أخرى للمسرحية نفسها بعنوان «عذراء أورليان»، أنجزها نظمي خليل، الذي قدّم فيما بعد ترجمة عربية كاملة لهذه المسرحية، وقد صدرت تلك الترجمة دون تاريخ عن «الدار القومية للطباعة والنشر» بالقاهرة ضمن سلسلة «كتب ثقافية».

بينما صدرت عام 2004 عن سلسلة إبداعات عالمية العدد 347 التي تصدر في الكويت عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ترجمة كاملة لها قام بها الدكتور عبد الرحمن بدوي.

مطالعات شيللر

وتعد شخصية جان دارك من الشخصيات التاريخية ذات الجاذبية الخاصة، التي تشكل مادة سخية أغرت كثيرا من الشعراء والأدباء وكتّاب المسرح، وحتى الرسامين، بتناولها في معالجات فنية، ولكننا في هذا العدد نختص بمعالجة شيللر لهذه الشخصية.

فمن خلال مطالعات شيللر لتاريخ العصور الوسطى لفتت انتباهه تلك الفتاة الصغيرة، راعية الغنم الريفية، التي قادت الشعب الفرنسي الى النصر والثورة على الاحتلال الأجنبي..

والتي تمسكت بالعدالة وتشبثت بالكرامة واختارت الموت حرقاً، بعد أن حكم عليها بالكفر والإلحاد، نتيجة خطورة على النظام الحاكم وأصحاب السلطة المدنية لجهل الجاهلين وخيانة الخونة ذلك لأنها شكلت والعسكرية والدينية ببساطة شديدة وعرتهم من أردية الزيف والشعارات الرنانة الجوفاء...

وعندما اكتسبت شعبية كبيرة بين أبناء الوطن بدأت الأحقاد والغيرة تتحرك ضدها. هذه المسرحية مملوءة بالحكمة والعظة للأمم المفككة، إذ عليها أن تصلح ما بينها أولاً، قبل أن تواجه القوى والأطماع الخارجية، فالاتحاد في تلك المحن هو الذي يصنع إرادة الأمم ويحقق مجدها ويسطر تاريخها. ومسرحية «عذراء أورليان» نجدها مؤسسة على مادة تاريخية، لكنها في النهاية تجربة جمالية فحسب..

وقد طبق شيللر نظريته في هذه المسرحية وهي أن بطل التراجيديا يجمع في ذاته البراعة العقلية والصرامة من ناحية، والتعرض للمعوقات الحسية من ناحية أخرى ويجب أن يسعى لهدف يوشك أن يكون الكمال المطلق أو الفساد المطبق، ثم يموت ميتة تراجيدية تجمع بين العظمة الإنسانية والعدالة الإلهية.

بطلة قومية

جان دراك، بطلة قومية وقديسة فرنسية لقبت بـ«عذراء أورليان»، وهى بنت مزارع فرنسى من أورليان في اللورين، وهى صغيرة بدأت تسمع أصواتاً تحثها على مساعدة الدوفان شارل، وهو الشخص الذي منعه الإنجليز من الجلوس على العرش.

وفى 1429 أقنعت «الدوفان» برسالتها بخصوص الدفاع عن فرنسا، فجهز لها جيشاً لذلك، ونجحت في إنقاذ أورليان، واستولت على عدة مدن في اللوار، وانتصرت على الإنجليز وتوج «الدوفان» ولى العهد ملكاً في ريمس باسم شارل السابع، لكن «البرجندين» أسروها وسلموها للإنجليز، وقدمت لمحاكمة دينية لكن الكنيسة رفضت التدخل في الأمر، وحرقتها المحاكم في روان عام 1431 بتهمة السحر، وفى عام 1920 اعتبرتها الكنيسة الكاثوليكية قديسة.

في عام 1429 قررت «جان» أن تخطو أول خطوة نحو تحرير فرنسا، وكانت تخفى على والدها، حيث رأى في الحلم أن ابنته تسير برفقة جنود فغضب، وعندما استيقظ هدد ابنته فيما لو تحقق حلمه بأنه سوف يقتلها، ليمحو العار الذي سيلحق بهم لأنهم لا يملكون سوى شرفهم، فاضطرت «جان» أن تكذب على والدها، قائلة إنها تريد أن تقضى بضعة أيام عند خالتها، فأخبرت «جان» زوج خالتها عن نيتها لتحرير فرنسا، فوافق أن يصحبها لمقابلة حاكم منطقة فوكولور.

وتوسط حاكم فوكولور لجان لمقابلة الملك «شارل السابع» من أجل انضمامها للجيش، واعتبرها الملك فتاة صالحة، واشترى لها حصاناً ودرعاً وسيفاً ورمحاً وخنجراً، وارتدت زي رجل وقصت شعرها، وتطوع شابان من البلدة لخدمتها ومرافقتها.

وسافرت «جان» ورفاقها إلى مدينة شتون، حيث مقر الملك السادس، واستدعى الملك أولاً الفارسين اللذين كانا معها ليسمع أقوالهما ثم أذن لـ«جان» بأن تقابله في قصره.

قائدة للجيش

أمر الملك بتجهيز فيلق ليكون تحت أمر «جان»، وجعلت جان كلا من الفارسين «جان ميتس» و«دى بولانجيه» مستشاريها العسكريين، وتطوع العديد من الشبان وانضموا إلى جيش «جان»، حتى بلغ عدد الجنود 12 ألفاً لكن قبل بدء أي معركة أرسلت جان دارك بعض الرسائل للتصالح الودي قبل القتال قائلة:

«أرسلني ملك السماوات والأرض لطردك من أراضي فرنسا التي انتهكت سيادتها وعثت فيها فساداً، لو أطعتني سأرحم رجالك، وتذهب المملكة للملك تشارلز».

لكن الإنجليز لم يقبلوا، فخاضت «جان» المعركة وانتصرت وحررت العديد من الحصون، وتمكنت من فك الحصار عن مدينة أورليانو، عرفت «دارك» منذ ذلك الحين باسم «لابوسيل دورليانز» أي عذراء أورليانز، وتوج شارل السابع ملكا على فرنسا، وزحفت «جان» نحو باريس حتى احتلت مدينة سان دينيس عام 1429.

أخلاق نبيلة

كانت «جان» رحيمة عطوفة، فحينما انسحب الإنجليز من المدينة، قالت لرجالها «لا تلحقوا بهم أي ضرر»، وعندما أصبح سقوط باريس وشيكاً أمرها شارل السابع بالعودة إلى مدينة سان دينيس فنفذت الأمر، ولكنها أصيبت بالحمى من جراء جرح أصيبت به في المعركة.

وبعدها سادت الفوضى في الجيش الفرنسى، بعد مرض «جان»، واستولى الجيش الإنجليزي على مدينة سان دينيس، ثم توغل في البلاد، بعدها تم القبض على «جان» من قبل الجيش الإنجليزي، وعرضها للمحاكمة.

بيّن سجل محاكمة جان دارك ذكاءً ودقةً، وشهد العديد من موظفي المحكمة فيما بعد بأنه تم تغيير أجزاء كبيرة من المحضر ازدراءً لجان دارك، وعمل العديد من رجال الدين في هذه المحكمة مُكرهين ومنهم المحقق ذاته، كما أن بعضهم تلقّى تهديدات بالقتل من الإنجليز، وكان من المفترض أن توضع «جان» في سجن الكنيسة تحت إشراف حارسات، وذلك وفقًا لمبادئ التحقيق المعمول بها، بدلًا من ذلك، وضعها الإنجليز في سجن غير ديني بحراسة جنود يعملون فيه، كما رفض الأسقف كوشون نداءات «جان» للبابا، والتي كانت كفيلةً بإيقاف الإجراءات القانونية.

ووصف شهود عيان إعدام جان دارك حرقًا بالنَار يوم 30 مايو 1431م، فأُشير إلى أنَها رُبطت بعمود طويل في السوق القديم بمدينة روان، وقبل إضرام النار فيها طلبت من كاهنين هما: الأب مارتن لادفينو والأب إيسمبارت دي لا بيير أن ينصبا صليبًا مُقابلها، كما قام جندي إنجليزي بصنع صليبٍ صغير وضعته قرب ثوبها.

وبعد موتها، قام الجنود الإنجليز بإزالة الحطب المتفحِم ليكشفوا جسدها المتفحِم كي لا يقول أحد العامَة انها هربت بمعجزة دون أن يصيبها ضرر، ثُم أُحرقت الجثَّة مرتين حتى استحالت رمادًا، في سبيل منع الناس من الاحتفاظ بأي أثر من الفتاة يتخذونه للتبرك، ثمَ قام الإنجليز برمي الرماد في نهر السين من على الجسر الوحيد المسمى «ماتيلدا».

مصدر إلهام

كانت جان دارك مصدر إلهام عدد كبير من الأدباء والفنانين الذين أصدروا عنها عدة مؤلفات أدبية مأسوية منها:

- نظمت الشاعرة كريستين دي بيزان قصيدة شعرية طويلة بعنوان قصيدة جان دارك.

- نظم الشاعر الفرنسي جان شابلان قصيدة ملحمية بعنوان «العذراء أو فرنسا محررة».

- وضع الشاعر الألماني شيللر عام 1801مسرحية «عذراء أورليان»

- بينما كتب الكاتب الأيرلندي جورج برنارد شو عام 1923 القديسة جان.

- جان في المحرقة غناء لـ ب.كلوديل.

- «القبرة» مسرحية جان أنوي عن القديسة جان دارك..

- «القديسة جان دارك في حظائر الذبائح» مسرحية عن جان دارك العصرية للأديب الألماني برتولد بريخت.

- ملحمة بطولية هزلية لفولتير بعنوان «عذراء أورليان».

في السينما

1898

قدمت قصة جان دارك لأول مرة على الشاشة أيام السينما الصامتة، في العام 1898، في فيلم بعنوان «إعدام جان دارك» والذي يختزل ويكثف في بضع دقائق محاكمة جان دارك وإعدامها.

1927

الفيلم الدانماركي كارل دراير «آلام جان دارك» 1927 (الذي يعد من كلاسيكيات السينما).

1948

فيلم الأميركي فيكتور فلمنج «جان دارك» 1948 مع انجريد بيرجمان (التي مثلت الدور نفسه في فيلم الإيطالي روبرتو روسيلليني «جان دارك والموت حرقاً» 1954.

1957

الفيلم الأميركي أوتو بريمنجر «القديسة جان» 1957 (المعد عن مسرحية جورج برنارد شو)

1962

الفيلم الفرنسي روبير بريسون «محاكمة جان دارك» 1962

1988

فيلم المخرج الأميركي ستيفن هيريك «مغامرة بيل وتيد الممتازة» 1988.

1994

الفيلم الفرنسي جاك ريفيت 1994 الذي ينقسم إلى جزأين: المعارك، السجون، ويتخذ منحى وثائقياً، وفيه تظهر جان كفتاة مفعمة بالشك والخوف قبل أن تتحول إلى قديسة.

1999

أما المخرج الفرنسي لوك بيسون في فيلمه «الرسولة» (1999) فقد أحجم عن إظهارها كلغز أو كشخصية غامضة، إنما صوّرها كفتاة مراهقة تقودها أصوات سماوية خارقة غامضة.

في الفن التشكيلي

- قام الفنان الفرنسي جول باستيان ليباج عام 1879 برسم لوحة زيتية لجان دارك على قماش وهي من مقتنيات متحف متروبوليتان للفنون، نيويورك..

- كما رسمها الفنان الفونس موشا ماريا، وأيضاً قام الفنان جي.أ.د.انجري برسم لوحة زيتية لجان دارك، إضافة إلى الفنان جورج رومني.

- قادت جيش وطنها نحو الانتصار وأُعدمت حرقًا بتهمة الهرطقة

- ألهمت حياتها الكتاب والرسامين واعتبرها البعض أيقونة وطنية في التاريخ الفرنسي

- عرض المسرحية 1801 وعدها غوته أفضل ما كتب شيللر

- صدرت في عام 1928 ترجمة عربية جزئية لها ضمن مجلة «المورد الصافي»

Email