الساعة الـ25.. بين العشق ومعسكرات الاعتقال

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تمتاز رواية «الساعة الخامسة والعشرون» بعنوان مثير، فهذه الساعة تأتي بعد الساعة الأخيرة تماماً، يقول روبير سكاربيت في كتابه «سوسيولوجيا الأدب» هناك ثلاثة آلاف طريقة لارتياد الحدث.. العنوان أحدها، فهو الشيفرة التي يفتتح بها النص . وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: ماذا أراد مؤلفها الروماني قسطنطين فيرجيل جورجــــيو. بهذا العـــــنوان المثير وكيف يمكننا تحليل شيفرته الأولى؟

باختصار، إنها الساعة الأخيرة التي لا يحل فيها مجيء أي مخلـّص شيئاً، بعد أن تكون الساعات الأربع والعشرون السابقة لها لم تنجز حلاً للبشرية، بعد استفحال إدارة التوحش، وهو ما نلمسه اليوم بوضوح على أرض الواقع، وكأن جورجيو أصاب بتنبئه حتى من خلال عنوان روايته وأدرك مبكراً الحقيقة التي كانت واضحة في رؤيته المستقبلية للحياة البشرية.

إنها قصة ذلك المواطن الروماني البسيط أيوهان موريتز وحلمه البسيط في أن يسافر إلى أميركا ويعمل فيها عدة سنوات يجمع فيها ما لا يكفيه لشراء قطعة أرض ويبنيها ثم يتزوج من محبوبته سوزانا ويعيشان في سلام بقرية فانتانا الرومانية. كان على أيوهان أن يعمل وقادا على ظهر الباخرة المسافرة إلى أميركا لأنه لا يملك أجرة السفر، ومع ذلك عليه أن يدفع مبلغاً قدره 500 لي (عملة رومانية).

وداع وخوف

الأرض التي نوى أيوهان شراءها دفع لها عربونا 3000 لي وأخذ ملء قبضته من ترابها، كانت التربة حارة وكأنها مخلوق حي في يده.

أراد أيوهان في ليلة سفره توديع سوزانا حتى قبل أن يمر على الكاهن كوروغا الذي يعطف عليه كثيرا ووعده بأغراض تنفعه في رحلته، ذهب إلى بيت سوزانا فوجدها تنتظره خارج البيت خائفة، عرف أبوها الضخم والعاشق لخيوله أيورغو أيوردان بعلاقتهما فثارت ثائرته وقتل أمها في فورة غضبه. ماتت الأم وسجن الأب ولم يتمكن أيوهان من السفر وترك محبوبته وحيدة هكذا. لم يكن أمامه سوى بيت والديه أو بيت الكاهن كوروغا.

وبينما كان أيوهان يرتب حياته الجديدة مع سوزانا ويبحث عن مأوى يعيشان فيه، وبعد أن رفضت أمه إيواء ابنة قاتل، وافق الكاهن كوروغا على إيوائهما في الغرفة الصغيرة الملحقة ببيته، كانت موافقته بحضور ابنه تريان العائد من السفر بصحبة صديق الجامعة المحقق جورج تريان، حيث كان الحوار يدور بينهم حول مستقبل البشرية. قال ابن الكاهن تريان:

إن الإنسان سيصبح مغلولا خلال سنين طويلة في المجتمع التقني، لكنه لن يموت في الأغلال، إن المجتمع التقني يستطيع ابتداع رفاهية، لكنه لا يســـتطيع خلق فكر.

«وبعد حوار طويل أخبرهم تريان أنه ينوي كتابة رواية عنوانها الساعة الخامسة والعشرون، عن اللحظة التي تكون فيها كل محــــاولة للإنقاذ عديمة الجدوى، بل إن قيام مسيح لن يجدي نفعاً، إنها ليست الساعة الأخيرة، بل هي ساعة بعد الساعة الأخيرة. الكاهن كوروغا عبر عن رأيه وموقف الكنيسة قائلاً: إن الكنيسة لا تستـــطيع حماية المجتمعات، بل إنها تضمن سلام الأشخاص .

عمل متواصل

اشتغل أيوهان هو وزوجته سوزانا بجد ليلاً ونهاراً على مدى عامين حتى تمكن من بناء بيت له، ورزق خلال هذه المدة بطفلين. وفي يوم مرّ وكيل ضابط الدرك بالقرب من بيت أيوهان فشاهد سوزانا تجبل الطين بقدميها لبناء زريبة للحيوانات..

كانت ترفع ملابسها كي لا تتسخ بالطين، فراح يتأمل فخذيها العاريين الأبيضين. ولما علم بغياب زوجها أراد الدخول فمنعته، ولكن الدركي عاد فيما بعد واستدعى أيوهان إلى مخفر الدرك. أمضى أيوهان ليلة طافحة بالقلق والعذاب واجتاحت مخيلته آراء قاتمة.

وهناك في مخفر الدرك ساقوا أيوهان مع اليهود إلى أحد المعسكرات، ومعه كتاب ينص على أنه أحد اليهود الذين يساقون بعد مصادرة أموالهم وإرسالهم مخفورين إلى معسكرات العمل. ولم تنفع مناشدات وطلبات أيوهان بأنه مسيحي، وأن عليهم هنا في المعسكر التأكد واستثناءه من الحفر والأعمال الشاقة، ولم يعتدوا كونه غير مختون بأنه مسيحي حتى بعد الكشف عليه.

اليهود في المعسكر استغربوا أن يكون أيوهان يهوديا ولا يعرف لغة اليديش الشائعة في أوروبا الشرقية. عاش أيوهان حياة الذل في المعسكر، مضطهدا حتى من اليهود المقتنعين أن ليس هناك يهودي يدعى أيوهان وأن الاسم المترجم لذلك هو جاكوب.

وضاعت جهـــود الكاهن كـــــوروغا سدى وهـــو يبحث عن أيوهان. أما ضابط المخفر فقد جاء إلى سوزانا ليساومها وأن عليها لكي تحافظ على بيتها أن توقع ورقة الطلاق من اليهودي أيوهان! قالت بعد حيرة وبكاء وقبل أن تطرده وتقذفه بالحجارة: «أفضل الموت على الافتراق عنه»، ولكنه نجح في المرة التالية على توقيع سوزانا بالطلاق.

الكذب والعذاب

جرت حوادث كثيرة كانت تزعج أيوهان في المعسكر كان آخرها إعلامه بطلاق زوجته له، بعد أن أخبروه أن سبب الطلاق جاء لأسباب قومية ودينية، بل واتهموه بأنه يكذب بأنه مسيحي وروماني. طبيب المعسكر أراموفيسي اليهودي أقنع أيوهان بأنه لن يستطيع أن يغادر المعسكر قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، وأقنعه أن يذهب إلى أميركا كما أراد يوما، ولكنه كان يريد استغلاله ليساعده في حمل حقائبه وهو يهرب نحو هنغاريا، وهناك سرعان ما تخلى عنه لكي يواجه مصيرا مجهولا.

سجن أيوهان في هنغاريا في سجن دائرة الجاسوسية وهناك ضربوه بشدة رغم أنه أخبرهم الحقيقة، ثم ساقوه إلى معسكر العمل، ومن هناك سلموه مع خمسين ألف عامل غير محددي الجنسية إلى ألمانيا لإدارة عجلة مصانعها ولكي يتخلصوا منهم ويتجنبوا غضب ألمانيا التي ربما ستكافئهم بعتاد بسيط. و

في ألمانيا عمل أيوهان كما الآلة في مقابل آلة من المعدن، بل إنهم هناك كانوا ينظرون إليه ولأمثاله بأنه أقل شأنا من الآلة وقالوا له: إنها إهانة نوجهها للآلة إذا قارناك بها، بل إنه كفر .

احترام متأخر

عومل أيوهان باحترام مرة لأن أحد الضباط الألمان اعتقد أنه من جنس آري مميز عاش خارج ألمانيا، لذلك منحوه امرأة تعتني به ويعيش معها وجعلوه في مهمات الحراسة على المعسكر، ومع بوادر هزيمة ألمانيا قرر الهرب مع خمسة من رفاقه الفرنسيين في المعسكر، واعتبروه بطلا أنقذ فرنسيين، ولكنه بعد فترة وضع في السجن باعتباره ينتمي إلى دولة عدوة.

هكذا قضى أيوهان رحلة استمرت 13 عاماً معجونة بالتشرد والسجن والمهانة والقمع خارج وداخل عشرات السجون من دون أن يقترف ذنباً، وخلال رحلة السجون شاهد كيف مات الكاهن كوروغا وكيف انتحر ابنه تريان بدخول المنطقة المحرمة من المعسكر لتطلق عليه النيران.

كل هذا جعل أيوهان شخصاً آخر غير الذي كان عليه، بعد أن ترك مجبراً زوجته وطفليه وألحقوه بمعسكر لاعتقال اليهود وإجبارهم على العمل في نظام السخرة. وهناك حيث لا مكان للفرد أن يشعر بإنسانيته أو حريته، بعد أن أدرك أنه يعيش خارج الزمن في الساعة الخامسة والعشرين.

في السينما

1976

تحولت رواية الساعة الخامسة والعشرون، إلى فيلم سينمائي سنة 1967 من بطولة الممثل الراحل أنطوني كوين في دور أيوهان موريتز، وفيرنا ليزي في دور سوزانا أيورغو.

1949

الرواية التي تتألف من 570 صفحة من القطع الكبير ترجمت إلى أكثر اللغات الحية، وطبعت في فرنسا وحدها أكثر من 50 مرة ما بين 1949 و 1965. قال غابرييل مارسيل في تقديمه للرواية: «اغتبط بالتفكير في أن هذه الرواية البديعة، هذه الرواية المخيفة، ستظهر أول ما تظهر في فرنسا وباللغة الفرنسية. إنني لا أشك في أن ترجمات أخرى ستعقبها وإلا لكان في ذلك مدعاة للأسف».

Email