«ســر النـار».. سيرة فتاة لا تـُقهر

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

إن أهم ما يميز رواية «سر النار» هو استنادها إلى الواقع عن قصة حقيقية دارت أحداثها في إفريقيا، كتبها الروائي السويدي هنينغ مانكل، وكتب في مقدمتها: «هناك العديد من الكلمات في اللغة السويدية جميلة ومشحونة بالمشاعر، من ضمنها كلمة «Okuvlig - أوكوفلك»، تقاربها بالعربية عبارة «لا يُقهر»، وهذا الكتاب يبحث سيرة حياة فتاة لا تـُقهر تـُدعى صوفيا، تبلغ من العمر 12 عاماً وتعيش في موزمبيق التي تقع أسفل الساحل الشرقي في إفريقيا، والتي تـُعد واحدة من أكثر بلدان العالم فقراً.. هذا الكتاب يتعلـّق بها وبالأحداث التي واجهتها.

أحداث غيرت مجرى حياتها بأكمله. وموزمبيق بلد مزقته الحرب الأهلية خلال عقدين بعد فترة استعمار برتغالي استمر أربعة قرون ونصف».

أهدى مانكل روايته «سر النار» إلى ماريا ألفاس شقيقة صوفيا، تلك الفتاة الإفريقية التي ماتت في عمر الزهور، أما صوفيا التي نجت وعاشت فكانت فتاة لا تـُقهر، وانتشرت صورها عبر العالم مع الكاتب السويدي هنينغ مانكل مع انتشار «سر النار» .

أسرار اللهب

تبدأ الرواية بما تعانيه صوفيا من خوف يدفعها إلى الجري في العتمة على غير هدى، فثمة شيء خلفها، يُرعبها وهي وحيدة. وتتساءل أهو وحش بلا عينين يطاردها في الظلام؟! إنها تحس بزفيره يلهب رقبتها.

تقفز كما تفعل الظباء التي شاهدتها مرة وتنأى عن الطريق ثم تتنبه إلى الحقيقة، ذلك ما يريده الوحش بالضبط أن تبتعد عن الدرب، وتذكرت ما كانت تردده ماما ليديا كل صباح لها ولأختها: «لا تتركا الطريق أبداً.

ولا حتى متراً واحداً، لا تسلكا إطلاقاً طرقاً مختصرة، بعيداً عن الدرب تكمن الأشياء الخفية مدفونة تحت الأرض!»

«كل لهب يحمل سّراً، وإذا جلس المرء في المكان الصحيح أمام النار، يمكنه النظر عميقاً داخل الشـُعلة المتراقصة، ليعرف ما الذي سوف يحدث في حياته مستقبلاً، خلال كلّ أيامه الممتدّة على درب حياته التي لم يعشها بعد»، هكذا تحدثت العجوز موازينا إلى صوفيا وماريا يوماً عن الأسرار في النار، ففيها توجد كل الذكريات، من خلال النظر عميقاً في النار يمكن للمرء استعادة الذكريات التي يعتقد بأنه ربما فقدها نهائياً.

وها هي موازينا غائبة بعد أن اضطروا إلى الهرب ليقيموا عند ضفة النهر، وها هي صوفيا تتذكر تلك الأيام التي لم تعرف فيها الألم ولا الحزن ولا الجوع، ولا حتى ما هو أسوأ منها جميعا؛ الغربة.

معارك الغاب

على حين غرة فقدت صوفيا كل ذلك، حين امتلأت السقيفة بوهج أبيض حاد، ودوّت على إثر ذلك سلسلة انفجارات مرعبة، بعدها شاهدت الوجوه الممسوخة، كانوا بشراً يشبهون الوحوش الضارية، وأدركت على الفور أنهم جاؤوا ليقتلوها ويفتكوا بكل مَنْ في القرية، قتل قطاع الطرق هاباكاتاندا، والدها وهو يحاول إخفاءها وشقيقتها، لقد اختفتا تحت جثته قبل أن يعم الصمت، وعرفت صوفيا الموت لأول مرة، ولكن عرفت أيضاً أن والدها استطاع أن يحقق في موته ما حاول تحقيقه قبل ذلك، أن يحميها وماريا من السكاكين والفؤوس والبنادق.

اكتشفتا موت والدهما هاباكاتاندا في الصباح، وكذلك موازينا التي خرّت بوجهها فوق النار المتلاشية. نجت أمهما ليديا وشقيقهما الصغير ألفريدو لأنهما كانا بعيدين، بكتا بصمت، شاهدتا الناس الذين سقطوا أمواتاً في كل مكان، تحولت القرية إلى مقبرة، حتى الكلاب لم تنجُ.

عثرتا على ليديا وألفريدو حيين، ومعهما بعض الناجين. اكتفوا باحتضان بعضهم البعض بصمت خشية أن يكون قطاع الطرق كامنين، بينما كمنوا هم طوال النهار في أجمة دون ماء أو طعام ينتظرون حلول الليل، وبدأت الهجرة دون أن يعرفوا إلى أين.

مسالك وعرة

مشوا طويلاً على غير هدى، يحيط بهم الخوف والجوع، شاهدوا البحر، وحين وصلوا إلى قرية يسكنها أناس تربطهم بالأب هاباكاتاندا قرابة بعيدة، سمحوا لهم بالبقاء وبنوا سقيفة صغيرة من القش والصلصال في طرف القرية، واشتغلت ماريا وصوفيا مع بقية النساء في الحقول، قبل أن يضطروا إلى هجرة ثانية مع دنو الخطر مجدداً.

في القرية الجديدة تعرفت ماريا وصوفيا إلى فتى يكبرهما يُدعى لينوا أخبرهما بوجود مدرسة في القرية، وبصعوبة أقنعتا أمهما بالذهاب إلى المدرسة لأن الدراسة فيها بعد الظهر.

طلب القس الأبيض خوزيه ماريا من جميع التلاميذ الجدد وأهاليهم الاجتماع، وفي اللقاء قال: «حين تذهبون إلى الحقول أو تقصدون النهر، عليكم الالتزام بالمسالك التي سبق أن داستها أقدام كثيرة، لأن السير في هذه الدروب مأمون، لكن لا طرق مختصرة، لأن الألغام الأرضية توجد هناك.

نعرف أنها موجودة، لكننا لا نعرف أين بالضبط!»، وعرفت صوفيا أن الألغام الأرضية تشبه شياطين مدفونة في الأرض، شياطين تكمن وتنتظر وتتربص بالآخرين.

تأنيب الضمير

أرادت صوفيا خياطة ثوب لشقيقتها عوضاً عن الذي فقدته في قريتهم، ولهذا كانت سعيدة حين رأت رجلاً يخيط الملابس خارج سقيفته، اقتربت منه لتشاهد ماكينة خياطة سوداء تعمل بالقدمين، كان الرجل يُدعى أنطونيو، والناس يدعونه توتيو، عجوز يعيش مع أسرته بعد أن هربوا مثلهم من قطاع الطرق.

تعرفت إليه صوفيا وطلبت منه أن تتعلم الخياطة، وحين سألها لـِمَ تريد ذلك؟ قالت: «أريد أن أخيط ثوباً أبيض لشقيقتي ماريا»، فوعدها أنه سيعلمها الخياطة وطلب منها إحضار قماش وهو سيخيط لها ذلك الثوب، وهو ما جعلها تسرق ملاءة بيضاء بعد أن لفتها حول جسمها تحت الملابس الشعبية الكابولان.

فرحت ماريا بالثوب بينما ظلت صوفيا تعاني من تأنيب الضمير لسرقتها الملاءة، ولكنهما كانتا سعيدتين، وحين قررتا يوماً التسلية بلعبة «الغميضة» وهما تجريان، ركضت صوفيا بضعة أمتار بعينين مغمضتين وماريا خلفها بثوبها الأبيض، كررت العملية وحين فتحت عينيها لاحقاً وجدت نفسها خارج الدرب المطروق، ومع الارتباك تعثرت وسرعان ما انفجرت الأرض!

ماتت ماريا، أما صوفيا فلم يستطع الدكتور راؤول إنقاذ ساقيها، اضطر إلى بترهما الواحد بعد الآخر، كان على صوفيا الانتظار طويلاً في المستشفى، لتشفى جروحها الجسدية، وتخف جروحها النفسية، ثم لتتمرن على ساقين صناعيتين، أطلقت على اليمنى اسم كوكولا، وعلى اليسرى زيتسونغو، وتعني القصيرة والطويلة، عانت من تأنيب الضمير لأنها تسببت في موت ماريا، شقيقتها التي تشبهها كثيراً.

 

2010

ترجمت ونشرت رواية «سر النار» مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم بالتعاون مع دار المنى السويدية، وحازت على جائزة أفضل كتاب إماراتي في الإعداد والترجمة في معرض الشارقة للكتاب 2010، كما حضر كاتبها مع ناشرها كضيوف شرف ممثلين للسويد في معرض أبوظبي للكتاب سنة 2014.

كما ترجمها أيضاً إلى اللغة العربية الشاعر جاسم الولائي ووزعت مجاناً على أطفال السويد البالغين من العمر 11 سنة.

 

2009

شارك هنينغ مانكل في أسطول الحرية لفك الحصار عن غزة سنة 2009، وهدد الإسرائيليين بعدم السماح لهم بترجمة أعماله إلى اللغة العبرية، إذا استمر حصارهم على غزة.

تـُـرجمت أعمال هنينغ إلى 26 لغة عالـَـمية، وخلق شخصية محقق الشرطة كورت فالاندر، وهي شخصية ذكية قادرة على فك ألغاز الجرائم الكبرى، وتحاكي شخصية شيرلوك هولمز للروائي آرثر كونان دويل أو شخصية هيركبول بوارو لأجاثا كريستي أوشخصية جول ميغرية لجورج سيمنون.

أعمال أدبية

الروائي السويدي هنينغ مانكل اشتهر برواياته البوليسية، فضلاً عن كونه مخرجاً سينمائياً، وكاتباً للقصة والمسرحية، تحولت العديد من رواياته إلى أفلام سينمائية نال عنها جوائز عديدة، يعشق موزمبيق ويعيش فيها أغلب أيام السنة.

من أشهر رواياته «قاتل بلا وجه»، «الكلاب في ريغا»، «جسر إلى النجوم»، «الظلال عند الغسق»، «الهر الذي أحب المطر»، «الطفل الذي نام والثلج في سريره»، «رحلة إلى نهاية العالم»، «العدو في الظل».

Email