«مـاكـبـث».. طريق الشر محرقة الطموح

ت + ت - الحجم الطبيعي

تبدأ المسرحية في براري اسكتلندا الموحشة، حيث الرياح تعصف والرعد يقصف والبرق يهدد ويتوعد. لا شيء يدل على الحياة في ذلك القفر سوى شجيرات جرداء ترفع أغصانها العارية كأيادي المتسولين تستجدي السحب السوداء. تظهر ثلاث ساحرات للتشاور حول مصير ماكبث ويتفقن على مقابلته- الساحرات يمثلن القدر في الأساطير القديمة-، واحدة تنسج خيط عمر الإنسان والثانية تقيسه والثالثة تقطعه.

في هذا الجو الكئيب المنذر بالشر، يضعنا شكسبير لنتعرف على شخصية ماكبث، ويثير فينا الترقب والقلق لنعرف ماذا تريد الساحرات منه.

 ثم ينقلنا الى منظر مغاير نتعرف فيه على دانكان، ملك اسكتلندا، الذي تصله ثلاثة أخبار مفرحة، الأول: قتل المتمرد ماكدونالند بيدي ابن عمه ماكبث. الثاني: انتصار جيشه، بقيادة ماكبث وبانكو، على الجيش النرويجي. الثالث: اعتقال القائد الخائن، أمير كودور، الذي انحاز الى العدو. وفي العموم، تؤكد المسرحية، حسب نقاد كثر، أن السعي إلى تحقيق الطموحات عبر طريق الشر، أمر يؤدي إلى الدمار.

تنبوءات وبشارة

تثور الرياح مع قصف الرعد ثانية وتعترض الساحرات الثلاث ماكبث وبانكو، العائدين من أرض المعركة قرب المستنقع. تخاطب الساحرة الأولى ماكبث باسمه: أمير غلاميس..

وتخاطبه الثانية باسم سيد كودور، وتخاطبه الثالثة بـ: صاحب الجلالة. يسأل بانكو عن مستقبله، فتجيبه إحداهن بأنه لن يصبح ملكاً وإنما أباً لسلالة من ملوك اسكتلندا. ثم تختفي الساحرات تاركات ماكبث وبانكو مبهوتين. وبعد وقت قصير، يصل النبيل روس ليبشر ماكبث بأن الملك أصدر أمراً بتعينه قائداً للجيش وسيداً لكودور.

الجريمة

لا يصدق ماكبث أن النبوءة الأولى تحققت بهذه السرعة. ياترى هل تتحقق النبوءة الثانية ويصبح ملكاً؟ كيف السبيل الى ذلك والملك حي يرزق كما أنه عيّن، أخيراً، ابنه البكر مالكولم وليّ العهد؟ تجيبه زوجته الطموحة، بأن السبيل الوحيد هو قتل الملك. وترى أن الظروف تساعدهما، إذ قرر الملك أن ينزل ضيفاً على ماكبث ليوم واحد، كتعبير عن الشكر لشجاعته وانتصاره. يستقبله ماكبث مع ابنيه وحاشيته ويقيم له مأدبة عشاء فاخرة. وعندما ينام الجميع، تطلب زوجته منه أن يقتل الملك كما خططت. لكنه يتردد، فالملك ضيفه وقريبه.

. وهو طيب وكريم معه. تغضب عليه وتسخر من ضعفه وتتمنى لو كانت رجلا. عندئذ ينهض ماكبث ويسير إلى غرفة الملك. يجد الحارسين غائبين عن الوعي بعد أن أعطتهما زوجته مخدراً، فيأخذ خنجريهما ويدخل. يمشي خطوة ويرجع خطوة كأن هناك قوة تدفعه الى الأمام وقوة تشده الى الخلف..يتصور خنجراً معلقا في الهواء يتحرك ثم يهبط الى قلب الملك( يقتله). ثم تلطخ زوجته يدي الحارسين بدم الملك القتيل وتضع الخنجرين في يديهما.

.. تصفيات في الطريق إلى العرش

عندما تُكتشف الجريمة، صباح اليوم التالي، يقتل ماكبث على الفور الحارسين، حتى لا يتكلما ويتهمهما بالجريمة. يشك ماكدوف به، ويدرك مالكولم أن الذين قتلوا والده لن يتوقفوا حتى يقتلوه، فيهرب مع أخيه الى ايرلندا ثم انجلترا، ويتويج ماكبث ملكاً. ويصفي خصومه من النبلاء. ثم يتجه نظره الى الجنرال بانكو الذي تنبأت الساحرات بأن أولاده سيحكمون اسكتلندا. يدعوه مع ابنه فليانس الى وليمة ويرسل الرجال ليقتلوهما في الطريق.

يقتلون بانكو ويهرب فليانس. وعندما يعلم أن فليانس نجا، يضطرب ويغتم. يخاف بعد هروب فليانس على عرشه، ويزور الساحرات ليطمئن قلبه. تخبره الساحرات ان الأمهات لم تلد رجلاً يستطيع أن يتغلب عليه. ولا يمكن هزيمته إلا حين تزحف أشجار غابة بيرنام صوب قلعته. ثم تحذره من الجنرال ماكدوف. ويرسل رجاله لقتل ماكدوف. يعلم أن ماكدوف هرب وانضم الى مالكولم الذي يعد جيشاً لمحاربته، فيثور غاضباً ويأمر بقتل زوجته وابنه وأقاربه. وسرعان ما ينتشر خبر هذه المجزرة، فينقسم النبلاء والقادة.

ذعر.. ونبوءة تتحقق

يتحرك جيش مالكولم ويخرج ماكبث مع جيشه وهو واثق من النصر. وعندما يصل مالكولم الى غابة بيرنام، يطلب من جنوده التمويه ورفع أغصان الأشجار فوق رؤوسهم. يأتي أحد الجنود مذعورا ويخبر ماكبث أنه شاهد أشجار غابة بيرنام تزحف صوبهم، ثم يأتي رسول من القلعة ويخبره أن الليدي ماكبث ماتت. يلتحم الجيشان ويبارز ماكدوف ماكبث ويهزمه.

ماكبث وليدي ماكبث

مغزى المسرحية الرئيسي، هو الدمار الذي ينتهي اليه الطموح عندما يتخطى الضوابط الأخلاقية، ويسير في طريق الشر ليتحقق. ويقدم شكسبير في العمل، مثالاً على ذلك: ماكبث وليدي ماكبث. وهما شخصيتان متشابهتان ومختلفان في وقت واحد. بداية يبدو ماكبث طريدة.

وتبدو زوجته أداة الشر التي تدفعه الى ارتكاب الجريمة.. يقع في صراع مع ذاته، الأخلاق تنهيه وتصور له العقاب في الآخرة، وزوجته تغويه بالعرش. ينتهي الصراع بالانقياد لها ثم بالتحول الى ديكتاتور سفاح يجلب الدمار لنفسة وإلى كل اسكتلندا.

وتبدو شخصية الليدي ماكبث تتطور من الأسوأ الى الأفضل. ففي البداية نراها طموحة وشريرة تريد أن تصبح ملكة مهما كان الثمن. وعندما تحقق طموحها تصحو ذاتها الخيّرة . ترى الدماء تلطخ يديها وتطاردها وجوه وأصوات الأبرياء الذين دفعت زوجها الى قتلهم، فيصيبها الجنون. ثم تضع حداً لمعاناتها بالانتحار.

ماكبث والمسرح العالمي

تعامل المسرح العالمي بحرية مع مسرحية ماكبث وأبدع المخرجون والمقتبسون في تقديمها بحلل محلية غير الحلة الإنجليزية الشكسبيرية.

1606

 كتب شكسبير مسرحية ماكبث سنة1606، كتعبير عن الشكر للملك جيمس الأول، الذي كان ملك اسكتلندا قبل أن يرث عرش انجلترا سنة1603. وكذا كان جيمس الأول راعي فرقة شكسبير المسرحية، ويعتقد أنه من سلالة بانكو. ويذكر المتخصصون ان شخصية ماكبث حقيقية، لكن تاريخها يختلف. واللافت أنه لم تغادر "ماكبث" منصات المسرح العالمي، منذ العرض الأول على مسرح غلوب في لندن1611. واعتبرت شخصية ماكبث نموذج اغتصاب السلطة والديكتاتورية في القرن العشرين.

 في المسرح العربي

2012 قدمت "ماكبث" في نسخة مسرحية سورية، شامية، ذلك باسم "عرش الدم". اقتبسها الدكتور رياض عصمت وأشرف عليها غسان مسعود. وقدمت على مسرح الأوبرا للثقافة والفنون الشعبية في شهر فبراير.

2013 قدم مركز الهناجر للفنون المسرحية في مصر "ماكبت"، في شهر ابريل. إذ مثلت هذه المسرحية مصر في مهرجان قرطاج المسرحي في 22 نوفمبر2013.

في المسرح العالمي

2011 قدمت المسرحية على مسرح ايفريمان في ليفربول بإنجلترا. وقدمت في الهند بعد أن حولها بالرام إلى مسرحية بنجابية، عرضت مع الموسيقا البنجابية الشعبية، على منصة"المسرح البنجابي".

2004 جسدت "ماكبث في الصين بعد أن جعلها المخرج كسو اكسياوزهونغ، نسخة صينية. وقدمها على المسرح الثقافي في بكين. ورغم جهده الكبير حتى لاتحمل معاني سياسية. ولمس الجمهور تشابهاً بين شخصية ماكبث وماو تسي تونغ.

2001 اقتبست المسرحية في جنوب إفريقيا، اذ اقتبسها الكاتب ويلكم موسومي.. فجعل ماكبث من رجال العصابات.

1972 في فرنسا، اقتبسها الكاتب العبثي الشهير يوجين يونيسكو. وأعطاها اسم "ماكبت" ( غيّر"الثاء" الى"تاء"، كدلالة عبثية). وحوّلها الى مأساة ساخرة ترّكز على أطياف الدكتاتورية النائمة في النفس البشرية.

 في السينما

1984 نقل اورسون ويلز في أميركا، مسرح الأحداث في "ماكبث"، الى هايتي وجعل الشخصيات زنجية والساحرات أشباح الزومبي وأدخل الموسيقا الشعبية الزومبية.

1971 فيلم "ماكبث" للمخرج العالمي رومان بولانسكي، انتاج أميركي- انجليزي.

1979 تحولت هذه المسرحية الى فيلم يحمل اسم "ماكبث الزومبي". في اليابان، للمخرج يوكيو نيناغوا، ذلك في جو الحرب الأهلية اليابانية في القرن السادس عشر. وأصبح ماكبث من مقاتلي الساموراي.

1908 هناك ثمانية أفلام عن "ماكبث"، بالأبيض والأسود، أولها سنة 1908 وآخرها سنة

Email