تأخذنا رواية «عيون صغيرة»، للكاتبة الأرجنتينية سامنتا شوابلين، عبر تجربة مقلقة في العالم الافتراضي. تفترض عالماً كعالمنا، بأهواله ووسائل الراحة المألوفة، ثم تزرع فيه شيئاً صغيراً، هو تطبيق تكنولوجي عبارة عن لعبة مع كاميرا، وتجلس في برجها العاجي، تراقب ما سيحدثه من فوضى. فكل ابتكار تكنولوجي، يغير مستخدمه، يقول الخبراء، ويكشف شيئاً جديداً عن طبيعة البشر. وتتبع رواية «عيون صغيرة»، التي تمت ترجمتها إلى الإنجليزية أخيراً، خطى أعمال سابقة للكاتبة، لا سيما في تجسيدها لأوضاع مثيرة للقلق، فروايتها «حمى الأحلام»، تدور حول الزراعة المعدلة جينياً، وقلق الأمهات، وقد ألفت مجموعة قصص سريالية، بعنوان «حفنة من الطيور»، وتلك الروايات الثلاث وصلت إلى قائمة جائزة بوكر الدولية، حسبما أفادت صحيفة «غارديان» البريطانية.
في رواية «عيون صغيرة»، تجتاح لعبة جديدة اسمها «كنتكي» العالم، هي عبارة عن غراب أو باندا أو خلد أو تنين، مع كاميرات وعجلات ومحرك، ويكمن في داخلها شخص افتراضي. ولكي تكتمل اللعبة، لا بد من عنصرين، «الحارس» الذي اشترى اللعبة وأطلقها في منزله، أو أي مكان آخر، و«الساكن»، وهو الشخص الذي يراقب من داخل لعبة «كنتكي»، ويرى بعينيها، ويستمع بأذنيها، ويتحرك في المكان في أمان نسبي من شاشة الكمبيوتر. وعندما يبادر أي منهما إلى إطفاء اللعبة، تنتهي العلاقة بينهما، ولا يمكن تتبع الاتصالات.
وما يهم الكاتبة من تلك اللعبة، هي العلاقة الإنسانية التي تربط بينهما، فهناك واقع ثقيل بين الحياة والموت، يربط الطرفين، فيما تتسرب في الوسط الأشياء المثيرة والمرعبة. وهي تضيء العيون هنا وهناك، لتسرد قصصاً مختلفة من أنحاء العالم. فهناك أميليا المرأة العجوز من البيرو، التي خسر ابنها وظيفة في هونغ كونغ، والتي تدخل على شكل أرنب، داخل منزل في ألمانيا، من أجل أن تشعر بالحميمية. وهناك إيلينا، التي تشتري غراباً للشركة، ما إن تدرك أن صديقها لا يهتم بها، وهي تريد السيطرة بإبقاء غرابها ليس أكثر من لعبة. ومن أنتيغوا، نتعرف إلى مارفن، الحزين على فقدان والدته، داخل تنين في متجر بالسويد، رغبته الوحيدة هي ملامسة الثلوج، و«مارفن لم يعد صبياً مع تنين، بل تنيناً مع صبي في داخله»، وفي زغرب، يرغب غريغور في الربح عبر مبادرة لبيع عشرات «الكنتكي»، بخصم للزبائن الذين يرغبون تجربة مخصصة لهم.
وتستخدم الكاتبة سرداً متعدداً، للإضاءة على أوجه مختلفة عن العلاقة بين «الحارس» و«الساكن»، وعلى امتداد 249 صحفة، تلاحق اللعبة المكروهة المحبوبة، قبل أن تصل الرواية، كما هو متوقع، إلى خواتيمها المرعبة.
تستطيع اللعبة أن تسمع وتترجم الكلام، لكنها لا تستطيع الإجابة، فيما التواصل قد يكون أهم ما تريد أن تحققه الكاتبة في الرواية، ويبقى تأثير الرواية الأكبر، في طريقة تقديمها لآمال ومخاوف شخصياتها. ففي النهاية، عندما تلقي الشخصيات نظرة على ذاتها بحكم المصادفة، تشعر بحنان ساحق للكرة البلاستيكية، ففي هذا العالم المنفصل، تبدو كما لو أنها ترى نفسها من خلالها. فالعيون الصغيرة لديها الكثير لتقوله عن التواصل والتعاطف في هذا العالم المعولم، فيما تحقيق الرواية في قضايا العزلة وتجربة الإنترنت، قد جاء في وقته، في ظل أوضاع العزل الذاتي المفروضة.