نادية النجار: الأمانة أساس توظيف التاريخ في الرواية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

شكلت حادثة احتراق وغرق السفينة «دارا»، التي وقعت في إمارة «دبي» قبل أكثر من 50 سنة، إلهاماً للكاتبة نادية النجار في كتابة روايتها ثلاثية الدال التي استغرقت أكثر من سنتين، بحثت خلالها في جميع المصادر، المكتوبة والمصورة والشفهية، المتوافرة عن تلك الحادثة والفترة الزمنية وفازت الرواية بجائزة معرض الشارقة الدولي للكتاب 2017 عن أفضل كتاب إماراتي، وتتكون من ثلاثة أجزاء بناءً على الفترة الزمنية وكذلك نوع الراوي، هذه الأجزاء الثلاثة تبدأ بحرف الدال لتلامس أوجاعاً إنسانية بصورة أكثر عمومية كما جاء الإهداء في أول صفحة من الرواية «إلى كل نفس أرهقتها الذكرى».

طابع محلي

وفى السياق تؤكد نادية أن الأحداث التاريخية تعتبر البينة الأساسية للعمل، ولا شك أن ربط التراث أو التاريخ الإماراتي في كتابة أية رواية يكسبها طابعًا محليًا محببًا، نحن بحاجة إليه في ظل التغيرات السريعة التي نشهدها، ولكن من الضروري أيضا أن يخدم النص الروائي ولا نقحمه دون سبب.

ويخلط البعض بين الروائي والمؤرخ، فالروائي يستلهم من فترة زمنية معينة، يبني أحداثاً وشخصيات خيالية لروايته، ويحافظ في الوقت ذاته على طبيعة الحياة والحقائق التاريخية لتلك الفترة.

ومن جانب آخر لا تعتبر نادية أن روايتها ثلاثية الدال المبنية على نسيج سردي متعدد المسارات، ويصور الحياة العامة وتداخلاتها في حقبة الستينات هو مسارها الأدبي الثابت قائلة: لا أحب أن أحصر نفسي في مساحة معينة، وقد أكرر تجربة مشابهة لرواية «ثلاثية الدال»، وقد لا أكررها، فلكل عمل أدبي ظروفه.

جاءتني فكرة كتابة رواية «ثلاثية الدال» بعد قراءة مقال عن حادثة احتراق وغرق سفينة «دارا» التي حدثت في 8 أبريل عام 1961، قبل أن تبحر إلى الهند، وفقد على إثرها حوالي 238 شخصاً، وهو عدد كبير بالنسبة لتلك الفترة، حتى أن البعض أطلق عليها «تايتانيك الخليج». فكرت كيف أثرت تلك الحادثة على الناجين؟ لا شك أنها خلّفت جروحًا وآلامًا في أرواحهم، وغيرت مصائرهم.

سرد المشاهد

وفيما يتعلق بالتفاعلات النفسية في سرد المشاهد والتي تعد من النقاط المحورية التي أبرزتها الرواية، توضح نادية أن فكرة الرواية بنيت على تلك الحادثة، ولم يكن هدفي توثيق أو تدوين التاريخ، ولكن وجدتُ نفسي دون أن أشعر منكبة على قراءة المراجع المكتوبة، المرئية والشفهية، وأحاول التواصل مع الناجين، ومن عاصر تلك الفترة، وأتمعن في صور الباخرة، وأعيد مشاهدة مقاطع فيديو للحادثة.

وتعتقد نادية أن لكل شخصية من الناجين أو المعاصرين للحادثة ظروفاً نفسية مختلفة، لنتحدث عن شخصية دانة مثلاً، الرضيعة التي وجدتها شمسة على السفينة، وربتها كإبنة لها، في حي الشندغة، تكبر لتكتشف الفروقات بينها وبين رفيقاتها، وتبدأ برحلة بحث عن جذورها، وهويتها الضائعة، ثم تصنع مجدها بنفسها، ربما لتعوض ذلك النقص في طفولتها. أما شمسة التي فقدت حفيديها في الحادثة، فتغدق على دانة بحنانها وحكمتها، لتصبح طبيبة متميزة، أما مراد الخادم المخلص فيراقب دانة من بعيد، ويحتار في اختيار الوقت المناسب ليخبرها عن عائلتها، وخلف الذي فقد أسرته في الحادثة، ما عاد مثل ما كان، وسلمان التائه الذي يبحث عن جذوره.

كلهم تائهون، باختلاف أطيافهم وأعراقهم، خرجوا من الحادثة بأجساد سليمة، ولكن بأرواحٍ معطوبة، غير قادرة عن النسيان.

وثائق السفينة

وتضيف نادية التي حصدت روايتها (مدائن اللهفة) بالإنجليزية بـ (Cities of Passion)،جائزة أفضل رواية قصيرة في حفل توزيع جوائز الإمارات للرواية عام 2015، وتتكون الرواية من 16 فصلاً، ويحمل عنوان كل فصل اسم مدينة مختلفة، من دبي إلى دمشق أن لا أزعم أنني كتبت رواية تاريخية، لأن الفترة الزمنية ليست بعيدة، رغم أنني لم أعاصرها، ولكني قمتُ بتأريخ تلك الحادثة بشكل منصف، وحرصت أن أكون دقيقة في وصف السفينة، حالة الجو وتوقيت الرحلة، جنسيات الركاب، زوارق الإنقاذ، حتى شكل القمر ليلتها، وكل التفاصيل المتعلقة بتلك الحادثة.

وكانت تلك من أصعب الأمور التي صادفتها، فالمعلومات عن الحادثة ليست كثيرة وغير دقيقة.

ولم أعتمد فقط على المعلومات الشفهية، فالحادثة مر عليها أكثر من نصف قرن، وذاكرة الناجين بهتت مع الزمن، وإن ظلت المشاعر والذكريات المؤلمة، لذا فضلت الاعتماد على المكتوب والموثق، للوقائع والأحداث.

استطعت الحصول على صور للسفينة كما ذكرت ومقاطع فيديو، ومقابلات مع ناجين، ومنهم إماراتيون، ومررتُ على الشندغة والفهيدي حيث عاش أبطال الرواية، وركبتُ العبرة للتنقل بين طرفي خور دبي، لأعايش ما يمكنني معايشته من تلك الفترة.

دروب متشابهة

وتؤكد نادية انه ليس بالضرورة أن تكون روايتها القادمة مشابهة لنمط ثلاثية الدال قائلة: أنا لا أختار ولا أقرر.

هنالك أمور أو أشياء تُجبرني أن أختار فكرة معينة تُقنعني، فأسلك درباً دون غيره. وفي السرد الروائي، الفكرة أهم شيء، بالنسبة لي على الأقل.

الفكرة نصف العمل الروائي، ومتى تأتيني الفكرة، ألتقطها، فتختار معها زمناً ومكاناً مناسبين، سواء كان معاصراً أو قديماً، هنا أو هناك. ثم نحن نتغير، هواجسنا تتغير، والفكرة التي لم تقنعني ذات يوم لسببٍ ما، قد أكون مستعدة لكتابتها اليوم، وحتى أثناء العمل على مشروع روائي قد نغير اتجاهنا.

رواية الزمان

وترى نادية أن الفكرة تفرض عليها كروائية أحداث المكان والزمان، وكذلك اختيار الشخصيات.

كانت فكرتي هي الكتابة عن حادثة غرق سفينة (دارا) التي حدثت في ستينيات القرن الماضي، وهي التي أجبرتني على اختيار شخصيات من ثقافات وأصول متعددة، تعود إلى سواحل تلك المناطق، فالسفينة أبحرت من البحرين، إلى دبي، ومنها كما هو مفترض إلى مسقط وكراتشي وبومباي، فلابد وأن تكون الشخصيات قادمة من تلك الموانيء، أو لها مصالح للسفر منها وإليها.

يجب أن تقنع شخصيات الرواية القارئ، ولن تقنعه إن لم تتعدد أعراقها، وثقافاتها وظروفها، ولا تُشبه الشخصيات الحقيقية التي عاصرت رحلات تُشبه تلك الرحلة. الروائي الجيد يكتب بطريقة تجعل القارئ يعايش الأحداث ويصدقها، رغم علمه بأنها من خيال الكاتب.

Email