تأرجحت على مدى القرن السابق، التصورات الخاصة بثنائية اللغة بين طرفي نقيض، ففي حين أشار البعض عقب سنوات الحرب، إلى أن دماغ الطفل سيصارع للتكيف مع لغتين، وصولاً إلى الشيزوفرانيا، ساد الاعتقاد منذ ستينيات القرن الماضي، وبدافع الأبحاث العلمية، بمدى فوائد الثنائية اللغوية.
ألبرت كوستا المؤلف الإسباني، الذي توفي العام الماضي، أمضى حياته باحثاً في المجال، وخلص إلى كتاب يشكل شهادة بعنوان «العقل ثنائي اللغة»، تدعونا للتساؤل عما قد يحصل، ما إذا ضاعفنا قدرة بشرية استثنائية تدعى اللغة.
ويركز كوستا في الكتاب على علم الأعصاب وعلم النفس، أكثر من تركيزه على الأبعاد الاجتماعية للغة، ويمضي في شرح «كيفية وجود لغتين داخل العقل الواحد»، بلغة سلسة محببة للقارئ، حتى عند دخولها في التفاصيل الدقيقة لثنائية اللغة، ضمن بحث مكثف، يقدم عدداً من الأفكار المثيرة للاهتمام، حول علاقة استخدام ثنائية اللغة بالسلوكيات.
يستند كوستا على مسيرته المهنية، ويخبرنا كيف يصبح الأطفال ثنائيي اللغة منذ الولادة، إذا ما واظبوا على السماع والاستجابة للغتين، وكيف ينتقل البالغون بين الشيفرات لتوظيف المزج المنظم بين اللغات، دون الارتباك، ما يثير حسد الآخرين. ويشير إلى أن التمكن من التحدث بلغتين، يساعد مع التقدم في العمر، على تأخير الإصابة بالخرف.
ويعتبر كوستا نفسه متحدثاً بلغتين، الإسبانية الأم والكتالونية. ويقدم الفصل الأخير من الكتاب، حول اتخاذ القرارات، أهم الاكتشافات على الإطلاق، حيث يبدو أن ثنائية اللغة، تضع في منطقة الحياد، التحيزات الذهنية والحدسية، وتقلص الحدّة العاطفية، وتعزز المقاربات الأكثر هدوءاً وعقلانية حيال مسألة حل المشكلات، حيث تؤدي مواجهة الصعاب بلغة أجنبية، بالنسبة لكوستا، إلى اتخاذ قرارات أفضل.