تضرب التجربة الإبداعية الشعرية للشاعرة العراقية ساجدة الموسوي عميقاً في المشهد الثقافي الأدبي المحلي العراقي والعربي، فاستحقت بتلك التجربة لقب «نخلة العراق» الذي تعرف به في الوسط الثقافي.

تتمحور كتابات الموسوي حول الإبداع وتجربة الغربة، صدر لها 15 ديواناً شعرياً. في العراق نشرت لها دواوين شعرية منها: «طفلة النخل»، «هوى النخل»، «الطلع»، «قمر فوق جسر المعلق»، «قل للغريبة يا خليج»، «بكيت العراق».

وهي تؤكد في حوارها مع «البيان»، أن لوطن هو الهوية التي تلتصق بالإنسان والبوصلة التي توجهه وتجذبه، وخاصة المبدع، أينما حل، وهو خزانة الذكريات والتجارب والفرح والحزن والناس الذين نحبهم ونألفهم، كما انه شهقة الروح التي تمتزج برائحة الأرض.

كما تحكي ساجدة الموسوي، الوجه الثقافي الحاضر على الساحة الثقافية في الإمارات وصاحبة المساهمات العملية الرافدة للنشاط الأدبي والثقافي في مؤسسات فاعلة كاتحاد كتاب وأدباء الإمارات و«رواق عوشة بنت حسين الثقافي»، عن أعمالها، وما تحب أن تطلق عليه من مراحل في رحلتها الإبداعية، ورؤيتها للحياة الثقافية الأدبية في العراق وعن آخر دواوينها.

خيال

جمال المفردة لديك يشي بخيال خصب، وهو ما يشعر القارئ بأنه يفعل حتى الفكرة، ما تعليقك على هذا؟

الحقيقة أن المفردة في النص تشبه الخرزة في القلادة، تعطي النص جمالية وألقاً، وهي خلال عملية الكتابة لا تنتقى انتقاء بل تأتي تلقائياً من خزانة المعرفة والاطلاع والحصيلة اللغوية التي تتجمع في قرارة القلب والروح.. لذا فأنا أنتقي قراءاتي انتقاء يخدم اللغة لدي ويخدم الخيال في آن.

أما الخيال فهو حكاية تستمد سموها وخصوبتها من روافد عدة منها الطبيعة الإنسانية، تأثير الجينات الوراثية التي تجعل من طبيعة الإنسان ما هي عليه، ومنها البيئة في الأسرة والمجتمع وتأثير الحكايات والأساطير الشعبية والتاريخية التي يختزنها العقل لمدى العمر فتوسع الخيال.. ومنها القراءات ونوعها، فهناك من كتب الأدب ومن القصص والروايات والقصائد والحكايات ما يغذي الخيال ويعمق رؤاه.

إن الخيال في الواقع هو المرآة النورانية التي ترى من خلالها النفس ما لا يراه أحد غيرها. وفي عملية صياغة النص الشعري يبدأ الشاعر باستثمار خزينه المعرفي والعاطفي لصياغة رؤاه في سماوات مرآته النورانية لتخرج القصيدة بدلال ربات الحسن والجمال، حاملة رسالة الروح والقلب لمن يعرف ويقدر قيمة الكلمة وسلطان الشعر.

هوية

هل للغربة جغرافياً تأثير في إبداع الشعراء والكتاب العراقيين؟

نعم، لماذا نحب الأوطان والأمكنة التي ولدنا وعشنا فيها؟ لأن الوطن هو الهوية التي تلتصق بالإنسان منذ ولادته وحتى مماته، وهو خزانة الذكريات والتجارب والفرح والحزن والناس الذين نحبهم ونألفهم، والوطن هو شهقة الروح التي تمتزج برائحة الأرض وحضن الأم وحنو الأب. الوطن هو مستودع الأحلام الصغيرة والكبيرة، وحلم الغد والمستقبل.

والوطن لسانك الذي يعبر عن شخصيتك وذوقك وإحساسك ومعارفك، ولهذا فإن تغيير مكان الإنسان جغرافياً ينتزعه من كل هذا، ويسلبه أشياء كثيرة لا يمكن أن يشتريها أو يستعيرها من مكان آخر، خصوصاً لو كان هذا المكان بعيداً وله لغة أخرى مختلفة وثقافة مختلفة، فالغربة المكانية مؤلمة وموجعة خاصة إذا أجبر الإنسان عليها أو طالت.

لقد عشت الغربة في لندن بسبب مرض ابنتي وزوجي، ولم تكن غربة عادية، تلك الغربة فجرت في روحي عشرات القصائد وبعدها لم أختر إلا البلاد العربية، حيث اللسان العربي والمشاعر المشتركة والعادات والتقاليد المتقاربة وحتى المتشابهة، وفي السنة الأولى لوجودي في دبي عندما لم أكن أعرف أحداً كنت أشعر بالغربة، لكن سرعان ما ذاب هذا الشعور عندما تعرفت إلى سيدة إماراتية قالت لي: «البيت بيتك والأهل أهلك يا ساجدة».

أصوات

الآن حدثينا عن الثقافة، الإبداع الشعري في العراق في الوقت الحالي، كيف ترينه؟

في الحقيقة العراق من أبرز مراكز أو معاقل الثقافة في الوطن العربي وحول العالم، والثقافة فيه لا تتوقف أياً كانت الظروف، ولكم أن تتصوروا هذا النشاط المستمر الذي ينطبق أيضاً على أبناء هذا الوطن المغتربين أيضاً.

وفي السنوات الأخيرة برزت العديد من الأصوات المتميزة منها على سبيل المثال الشاعر رعد بندر صاحب القصيدة العمودية الجزلة، ومن التجارب الشعرية المتميزة حالياً تجربة الشاعر جواد الحطاب الذي كتبت عدة دراسات وألفت عدداً من الأعمال حول ديوانيه الأخيرين «باقة موسيقى على جثة بيانو» و«ربيئة وادي السلام»، وقصائده تعد مدرسة جديدة في قصيدة النثر، لقد أحب وسخر وبكى كأنه صوفي غيّبه الوجد وتجلت له الرؤى.

كما يتألق حالياً في العراق عدد من الشعراء الشباب المتميزين من أمثال عمر العناز ونذير الصميدعي ومؤيد نجرس وغيرهم، ومن الشاعرات اللاتي لديهن تجربة إبداعية شعرية مميزة لهيب عبدالخالق التي تجسد قصائدها الثراء والحس الإنساني إضافة إلى ذلك الحضور الجميل المؤثر.

الشاعرة العراقية ساجدة حميد الموسوي، من مواليد بغداد، حائزة بكالوريوس آداب من جامعة بغداد. عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين. عضو اتحاد الكتاب العرب، عضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات. كتبت في العديد من الصحف العراقية والعربية، نشر لها 15 ديواناً شعرياً آخرها في الإمارات بعنوان «قل للغريبة يا خليج».