ما إن يُفتح باب النقاش حول العلاقة بين المدير والموظف، حتى نجد أنفسنا بين كومة قصص لا تنتهي، منها السلبي ومنها الإيجابي، تارة يكون فيها المدير الجاني وتارة أخرى يكون هو الضحية، وبين موظف كسول وآخر متسلق، يشعر الموظف النشيط المبدع أن عليه بذل مجهود إضافي لإثبات نفسه وقدراته، والطريف أن معظم كتب فنون الإدارة تتناول هذه العلاقة من منظور علمي وتستلهم من التجارب الغربية أساليب مُلهمة، يعمل البعض على تطبيقها والاستفادة منها، بينما يميل البعض الآخر إلى ترديدها فقط.
كتاب «ميمي كما ويوا» لمؤلفه الإماراتي عادل علي السميطي، الصادر عن «بلاتينيوم بوك للنشر والتوزيع»، يستعرض قصصاً إدارية واقعية متنوعة، ويضيء على أعمال الحفر العميقة «ضرب شياول»، بكثير من المصداقية والموضوعية، تماماً كما يضيء على النماذج الأخرى المفعمة بالروعة والاحترام والمحبة، لدرجة قد يظن معها القارئ سواء كان مديراً أم موظفاً، للحظة، أنه المقصود أو أنه على الأقل خاض تجربة مماثلة.
الاقتصاد الوطني
يقول المؤلف الإماراتي عادل السميطي لـ «البيان»: أولى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الفنون الإدارية اهتماماً كبيراً، ذلك أن صحة العلاقات بين المسؤولين والمديرين والموظفين بمختلف مواقعهم ومهامهم، تقيس بكفاءة عالية أداء الشركات والمؤسسات وإنتاجيتها وتطورها، فضلاً عن دورها في دعم الاقتصاد الوطني ونهضة البلاد، وقد شدني اهتمام سموه كثيراً وفتح شهيتي على الكتابة في هذا المجال.
أصل التسمية
وحول اسم الكتاب الغريب «ميمي كما ويوا»، أوضح السميطي أن التسمية تعود لمثل شعبي مأخوذ من مدينة حضرموت من اليمن الشقيق، وأصله يعود للغة السواحلية التي تتحدثها بعض دول الشرق الأفريقي ككينيا وتنزانيا، و«ميمي» تعني أنا، بينما «ويوا» تعني أنت، أي أن المقصود سواء كنت مديراً أم موظفاً فأنتما في نهاية المطاف إخوة في حب الوطن وتسعيان لتحقيق تطلعات القيادة الرشيدة.
وتابع: وثّقت في «ميمي كما ويوا» نحو 50 قصة واقعية، منها ما عايشته بنفسي، وأخرى سيقت إليّ من أشخاص موثوقين، وجميعها تجسد مجموعة من المواقف الإيجابية والسلبية بين المدير والموظف، وتحرك المشاعر والضمائر على حد سواء، ولم أضع لنفسي سقف أفكار معيناً، ذلك أننا لن نتطور أبداً من دون صدق ومصارحة ومكاشفة حتى لو بلغنا عنان السماء.
قصص جريئة
القارئ لكتاب السميطي سيلاحظ جرأته في توثيق قصص إدارية حول الغيرة والحسد والمكر والكذب والتحامل والمحسوبيات في بيئة العمل، ومصداقيته أيضاً في طرح قصص حول الأمانة الوظيفية والإبداع والأخلاق والتقدير والتعامل الإنساني.
وقال: هناك قصة رائعة بطلها مدير إدارة في مؤسسة حكومية، كانت بينه وبين أحد الموظفين حالة من التنافس، وعندما اقترب موعد التقييم، أراد البعض الاصطياد في الماء العكر، وحاولوا تحريض المدير على اقتناص الفرصة والنيل من الموظف، إلا أنه لم يتأثر بكلامهم، وحكّم ضميره، ومنح الموظف أعلى الدرجات تقديراً لجهوده وإنجازاته، وهذا إنما يؤكد ضرورة طرح الخلافات تحت الأقدام، جرياً على مبدأ اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.
قصص كثيرة يضيء عليها كتاب «ميمي كما ويوا»، ومن بينها قصة «لا توقيع بعد اليوم!»، والتي تبدأ أحداثها بتحرك مساعد المدير بانفعال وعصبية وهو يلوح بورقة في وجه المدير العام، ويقول: «إن قرارك هذا من شأنه أن يذهب بالمؤسسة إلى أقل مستويات الإنتاج، وأعلى مستويات الفوضى»، فابتسم المدير الجديد ابتسامة عريضة، وقال: «ولماذا يا مساعدي؟».
أجاب المساعد وهو مستمر بالتلويح بتلك الورقة: «بالرغم من متابعتنا لحضور وانصراف الموظفين عبر التوقيع في النظام الإلكتروني، فإننا رصدنا حالات تلاعب عدة من قِبل الموظفين، فكيف تصدر أمراً بإلغاء التوقيع في ذلك النظام. ثم هل يُعقل أن يكون قرارك الأول في المؤسسة هكذا، ما الصورة التي ستتكون لدى الموظفين عنك؟».
اتسعت ابتسامة المدير الجديد أكثر، وحاول جاهداً ألا تفلت منه ضحكة، وقال: أمهلني فقط ستة أشهر، حتى تجني ثمار هذا الأمر يا مساعدي العزيز، وإن ثبت ضرره يمكننا أن نعيد استخدامه.
رفع مساعد المدير كفيه إلى الأعلى وهو يقول: «كما تشاء!، لكني أعلن عن عدم تحملي لأي مسؤولية عن ذلك الأمر». وما حدث كان عكس التوقعات، حيث التزم الموظفون عموماً بأوقات العمل أكثر، وبدؤوا يحضرون قبل أوقات العمل وينصرفون بعد انتهاء العمل بوقت طويل، وارتفع الأداء بشكل لافت.
وحول القصة قال السميطي: صحيح أنه لا يمكن أن نعمم التجربة السابقة في كل مكان، ولكن من الضروري أن تبنى علاقاتنا الوظيفية على الثقة والضمير، وتحريك نوازع الخير في النفس البشرية، والتغني بالأمانة والصدق دائماً وأبداً.
ومن خلال قصة أخرى بعنوان «تهديد»، وجّه السميطي رسائل عدة للمديرين، وقال: يعتقد بعض المديرين أنه يحق له أن يستخدم كل الأساليب مع موظفيه، بل ويظن بعضهم أنه يحق لهم رفع صوتهم على الموظف أو الاستخفاف به أو حتى تهديده، وهنا، لا بد من التوضيح بأن سكوت الموظف لا يعني خوفه، بل إنه قد يحترم المدير، ولا يرغب بإحراجه أمام باقي الموظفين، ويجب أن يدرك بعض المديرين، أن هناك موظفين قد لا يتحملون ممارساتهم السلبية، وقد يصعقونهم برد يجعلهم في وضع لا يحسدون عليه، وهنا، لا بد من احترام كرامة الناس والكرامة الشخصية.
وصفة التفاهم
قدّم عادل السميطي في كتابه «ميمي كما ويوا» وصفة تفاهم بين المدير والموظف، بحيث يستطيع كل منهما استنتاجها من بين ثنايا السطور والمواقف، وعموماً ترتكز جميعها على أهمية الإخلاص والإنصاف والأخلاق والإنسانية في العمل.