يعدُّ أحد رواد القصة والسرد الإماراتي، ومن متصدري المشهد الإبداعي الذين حفروا اسمهم في إنتاجات أدبية لم تزل تتصدر العناوين البارزة، وتضفي على المكتبة الأدبية ألقاً يميزها.. عُني عناية خاصة بالقصة القصيرة جداً، وأولاها مكانة مرموقة في مسيرته الأدبية التي توجها بمجموعته القصصية «جنازة حب».. إنه الشاعر والقاص عبدالله محمد السبب، الذي تواصلت معه «البيان» ليحدثنا عن هذا الإصدار واهتمامه بالقصة القصيرة جداً، باعتباره أحد أهم رواد هذا النوع الأدبي على مستوى المشهد الإبداعي الكتابي الإماراتي، فكان لنا معه الحوار التالي:
الشاعر والقاص عبدالله محمد السبب، مرحباً، نسعد بلقائك.
يسعدني ذلك.
القاص أم الشاعر عبدالله السبب؟ أيهما تريد وضعه أولاً؟ هذا إن لم يكن لديك رأي آخر.
ما أقوله هو أنّ لكل حادث حديثاً، فمفردة الشاعر تفرض نفسها حين يكون الشعر في لحظة حواره، وتفرض مفردة القاص رأيها حين يدور الحوار حول القصة، لكن أحياناً يحدث هذا بمحض المصادفة أو بمحض إرادة من ألتقيهم، كأن يبادر أحدهم بالسلام عليك: مرحباً بك شاعراً أو كاتباً، وفي كل الأحوال فإنه لا اعتراض على ذلك، فكلاهما عبدالله السبب، والجنسان الأدبيان كلاهما انطلقا معاً في مسيرتي الأدبية، وبإمكانك القول: إن ذلك قد بدأ منذ كنت على مقاعد الدراسة، ومنذ أول لحظة نشر في أواخر النصف الثاني من ثمانينيات القرن العشرين.
وفي الحقيقة أنا مخلص للقصة أكثر مني للشعر. أذكر كذلك بداياتي في القصة مع الكاتب مسعود أمر الله، وقد نشرت لديه بعض النصوص في نشرته «رؤى» 1989-1991 وكانت عملاً رائعاً حاول أن يردّ فيه على امتناع الصحافة الثقافية عن احتضان الكتابة الإبداعية، كانت «مرثية في مدينة الشتاء» باكورة نصوصي التي نشرتها هناك.
بداية
إذن أنت قاص وشاعر في آن، هكذا تنظر إلى نفسك. أيضاً ما نعرفه في الواقع هو أنك كنت ضمن جيل ظهر لديه التركيز على الكتابة الإبداعية، ربما بشكل مختلف أيضاً في مطلع تسعينيات القرن العشرين، هذا ما تؤكده النصوص التي نشرتها في الصحافة في تلك الفترة، أليس كذلك؟
الحقيقة أن أول ما نشر لي كان في تلك المرحلة، نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، ونشر في صحيفة «البيان» في الصفحة الثقافية، وأذكر أنه في ذلك الوقت كانت الشاعرة الإماراتية منى مطر هي المشرفة على الصفحة، وقد فتحت لنا الباب لكي ننشر أعمالنا الكتابية في الصحيفة، وكانت البداية من بريد القراء. لقد كانت لي أيضاً علاقات جميلة بكتّاب آخرين نشروا أعمالهم في جريدة البيان، منهم الشاعر المبدع الراحل خليفة محمد المر، رحمه الله.
أنت قاصّ وفي المشهد الأدبي الإماراتي كتاب القصة كثيرون، لكنك مختلف بعض الشيء، لم تغرد خارج السرب، بل قريباً منه، أرسلت تغريدة تتعلق باهتمامك بالقصة القصيرة جداً، ما الذي تراه متميزاً في هذا النوع الأدبي؟ هل فرضتها المرحلة، التكثيف، أم اللغة الشاعرية، أو الذاتية؟
أتصور أنني قريب جداً من السّرب، فأنا أحاول الإمساك جيداً بعناصر القصة من الحدث إلى الحوار والرمزية وغيرها.. ولكن في كتابة القصة القصيرة جداً تختلف لديّ المسألة، فهي نص مفتوح قابل للتأويل، يعالج بأكثر من طريقة. ومعروف أنني في البداية كنت أكتب القصة التقليدية، ولكن بعد أن بدأت بكتابة نص «جنازة حب» وجدت أن القصص التي لدي لا تحتمل التطويل في سردها، فكنت أتخلص من الزوائد اللغوية وأكثف، وهكذا وجدت نفسي واقفاً أمام هذا الشكل السردي، القصة القصيرة جداً.
كتاب «جنازة حب» عبارة عن قصص قصيرة جداً، هكذا يراها من يقرأ العمل، هل أنت أول كاتب إماراتي يغرم بهذا الشكل ثم يكتبه؟
لا أعرف، لكن الذي أعرفه أنني أكتب دون أن أنظر إلى تجارب الآخرين، لكن سأخبركم بهذا الشيء، في إحدى المرات تلقيت دعوة للمشاركة في ملتقى الشارقة العاشر للسرد في سبتمبر 2013، الذي انطلق تحت شعار: «القصة القصيرة جداً: سؤال النوع وتطور السرد»، وقد تزامن ذلك مع صدور مجموعتي القصصية الأولى «جنازة حب وأشياء أخرى» الصادرة في العام 2011م، وفي ذلك الملتقى، تم اعتباري أحد روّاد القصة القصيرة جداً، وتم تأكيد تلك الريادة في الأمسية التي نظمها لي اتحاد الكتاب في سبتمبر 2013م من قبل بعض الإخوة الحاضرين المهتمين بالنقد، كما أنني كنت قد تحدثت عن ظروف كتابتي هذه القصة في هذه المناسبة.
«الضباب»
هذه المجموعة القصصية ليست الأولى على الرغم من أنها الأولى؟
أشير أولاً إلى أنني أنتمي إلى الرعيل القصصي الأول في دولة الإمارات، حيث جيل الثمانينيات، وإذا كانت الأديبة شيخة الناخي هي رائدة القصة القصيرة الإماراتية على صعيد كتابة القصة، فإني أعدُّ من أوائل من كتبوا القصة في الإمارات، حيث أنجزت مخطوطتي القصصية الأولى «الضباب» في العام 1987م، وكان بالإمكان صدورها في ذلك العام نفسه حينما طلبت مني إحدى جمعيات النفع العام برأس الخيمة تلك المخطوطة لتتولى إصدارها، إلا أنها أضاعتها ولم تكن لدي نسخة أخرى، ولو قُدِّرَ لتلك المخطوطة الصدور في تلك السنة 1987م، لكنت كاتب القصة القصيرة رقم 11 بعد كلٍ من: عبدالله صقر أحمد 1975م، ومحمد ماجد السويدي 1979م، وعبد الرضا السجواني 1980م، ومحمد حسن الحربي 1981م، ومحمد المر 1982م، وعبد الحميد أحمد 1982م، وليلى أحمد 1984م، وظبية خميس 1985م، وعلي أبو الريش 1986م، وباسمة يونس 1986م، لكن أقول لنفسي أحياناً «رب ضارة نافعة»، فربما كان تأخير صدور هذه المجموعة يأتي لصالحي لكي يتغير اتجاهي بفعل انشغالي بعد ذلك بكتابة القصة القصيرة جداً وتحولي نحوها تماماً.
الحقيقة أنه تغير مفصلي، هل تراه كذلك؟
أجل، كان تغيراً مفصلياً غيّر اتجاه القصة لدي، وبالتالي فأنا أقرّ بأن «جنازة حب» هي الأولى بسبب هذا التغير وليست الأولى بسبب المخطوطة الضائعة «الضباب»، لقد خرجت «جنازة حب» من الضباب أصلاً.
دور
الآن لو رجعنا إلى سيرتك الأولى فسنجد أن القصيدة النثرية، بعد أربعة دواوين شعرية، هي التي قذفت بعبدالله السبب في ملعب القصة القصيرة وأعطتها الكثير، أليس كذلك؟
بلى هو ذلك بوصفه إصداراً قصصياً، ولكن تجربتي الشعرية التصقت بي أكثر، أما بوصفه كتابة قصصية، أقصد نشر القصة، فقد كان ذلك في ثمانينيات القرن العشرين، وكانت قصصاً تقليدية من حيث الحجم والمضمون كما أخبرتك.
وقد حدث هذا التطور في الكتابة المتلازمة في القصة والشعر في التسعينيات، في تلك الأثناء كان هذا النوع من الكتابة ضمن ما يطلق عليه الإبداع الأدبي ما بعد الحداثي مزدهراً، هل كنت متحمساً لهذا التغير في الكتابة؟
لم أسعَ إلى هذا النوع من الكتابة، إذ جاءت إليّ من تلقاء نفسها، ومن ممارستي الطبيعية للشعر الحداثي الذي تنفتح نصوصه على الفضاءات الخارجية بكل ما تتمتع به من رموز وتأويلات متباينة، بل إن ما أكتبه من مقالات في الوقت الراهن يميل في معظمه إلى لغة الشعر.
تأثّر
وعلى الرغم من ذلك فإننا نرى لديك شيئاً آخر، الرمزية مثلاً، فهذه الدلالات الرمزية تعود إلى بدايات القرن العشرين، ولدينا في الإمارات كتاب برعوا فيها خلال فترة السبعينيات والثمانينيات، هل تأثرت بمن سبقوك من كتاب القصة القصيرة الإماراتيين كعبدالله صقر؟
تراكم المفردات والتعابير اللغوية في الذهن وفي العقل الباطني يتمخض دائماً عن القراءات، إلى الدرجة التي ينتج عنها حضور العديد من تلك الذخيرة المستترة أثناء كتابة النصوص التي تخص الكاتب نفسه، لذا لا أدعي أنني لم أتأثر بأي كاتب محلي أو عربي أو بأي كتابة عالمية مترجمة، فالتأثر مسألة إبداعية طبيعية.
لكي نكمل السؤال السابق نتذكر ما قاله الشاعر جعفر الجمري من أن للقصة القصيرة لدى عبدالله السبب أشكالاً تزيح الآليات، والحقيقة أن تنقلاتك هذه لا يفهمها إلا من يعرفك، أعني يعرف تجربتك عن قرب، قرأك بكثافة، كيف تعلق على هذا السؤال؟
ربما، لكن ليس ذلك صحيحاً بالضرورة، فالشاعر جعفر الجمري لم يكن قريباً من تجربتي القصصية قبل أن أطلعه على المخطوطة القصصية لتضمين رأيه النقدي مع الآراء الأخرى لتكون ماثلة في المجموعة القصصية بعد صدورها.
يلاحظ قارئك المتتبع أن هناك فرقاً ما بين كتاباتك الأولى في منتصف أو أواخر الثمانينيات وكتاباتك الأخيرة من حيث النضج، كيف تنظر أنت الآن إلى نفسك؟
نعم، لكن كما أسلفت من قبل، فإن الكتابة القصصية الأولى يغلب عليها الأسلوب القصصي التقليدي، أما القصص الجديدة التي انطلقت مسيرتها في العام 1989م، فقد تمتعت بالروح الحداثية واللغة المكثفة وهناك لمسة من الانكفاء على الذات، الأمر الذي يضعني بين قوسي التساؤل: «ما الخطوة القصصية الجديدة التي يمكن لها أن تضيف إلى عبدالله السبب في مشهد قصصي إماراتي وعربي عامر بمخرجات قصصية وسردية يشار إليها بالبنان؟!».
«جنازة حب»..سيرة ومسيرة تنبضان حنيناً
يستهل عبدالله السبب كتابه «جنازة حب» بإهدائه الكتاب إلى نفسه وأشقائه (خديجة، حسن، أحمد، عبدالرحمن، علي)، وفي هذا الإهداء يستقبل القارئ كتابه بوابل من الأحزان التي تكتنفها غصة فراق الأحبة، وهو يقول لإخوته بعبارات لا تغيب عنها بحة الحزن: «..الذي أستهله بإهداء إلى نفسي وإلى أشقائي.. رِفاقُ حُضورٍ، وغَيْمُ مسيرٍ.. حيثُ العَقْد الرابع لحُزْنِنا التراكمي: والدتنا في 1977م، جدنا في 1978م، والدنا في 1980م، خالنا في 2008م: نبراس صبرنا، ومهد حكاياتنا»..
في «الضباب» يستعرض السبب قصته الأولى التي أسلمت روحها بعد أن تعرضت للضياع بسبب إهمال إحدى الجمعيات ذات النفع العام في رأس الخيمة التي عرضت طباعتها على نفقتها، إلا أنها تقاعست عن ذلك ووأدتها وهي مازالت على قيد حياة الإبداع.. ثم يأتي الحديث عن قصته القصيرة جداً التي انطلقت رحلتها في العام 1989م عن طريق صحيفة «البيان» الإماراتية عبر «البيان الثقافي» إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن عبر النسخة الثالثة من الكتاب الذي ستشرق شمسه في جمهورية مصر العربية، ليطل على القراء في معرض الشارقة للكتاب في دورة العام الجاري 2018م.
يتضمن الكتاب مجموعة من القصص على النحو التالي: 10 قصص نشرت سابقاً ضمن الطبعتين الأوليين، مع تغيير عنوان قصة «حوار» إلى «صافرة»، مع إضافة قصة «ابتعاث» التي كتبت في المرحلة الزمنية نفسها، إلا أن لم تنل حظها من النشر ضمن الطبعتين السابقتين.. ثم إضافة ثلاث قصص جديدة كتبت إحداهن «توحد» في 2016م، والاثنتان «مداد» و«غمامة» في عام 2017م.
وفي نهاية الكتاب، يضيء الكاتب على شيء من سيرة الإنسان والشاعر والقاص والكاتب الإماراتي عبد الله السبب، منذ تاريخ مولده في 1965م، وحتى 2017م الذي أنجز فيه هذا الكتاب.
نبذة
عبدالله محمد السبب، شاعر وقاص وكاتب إماراتي. نال شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال، وفاز بجائزة «غانم غباش للقصة القصيرة» عام 1995، وهو عضو «مسرح رأس الخيمة الوطني»، وعضو «اتحاد كتاب وأدباء الإمارات». صدر له في الشعر: «الآن» 1996، «عصر» 1997، «مشهد في رئتي». وفي القصة: «جنازة حب وأشياء أخرى».