صغيراً كان حلمها.. وقصياً قليلاً بدا في مقدمات مسار حياتها، لكنها أصرّت على انتشاله من دوامة التمني العاصفة بريح الاحتمالات والتخمينات، فجعلته، بجدها ومواظبتها.. وخطوة تلو الأخرى، واقعاً محققاً.
تلك هي حكاية د. نورة صابر بن عبلان المزروعي مع طموحها وتصميمها على دراسة مجال السياسة والتاريخ، والذي كان يمثل في نظر ومفهوم محيطها الاجتماعي سابقاً خلال فترة زمنية مضت، كما تقول في حوارها مع «بيان الكتب»، خياراً غريباً وصعباً نوعاً ما بالنسبة لفتاة، إلا أنها شخصياً رفضت الرضوخ لتلك الحال متسلحة بوعيها طبيعة ملكاتها وبإيمانها الراسخ في أنها مع هذه الطريق بمقدورها أن تخدم وطنها على أحسن صورة وفي أكمل وجه.
وهكذا راحت تطوّع الصعوبات والتحديات في الميدان، منكبةً على إثراء معزوفة استزادتها العلمية والثقافية والمعرفية الواسعة، لتهيئ مناخات لحن الوفاء لمجتمعها، ولترصف الدروب أمام أصداء نشيد أدائها الأمانة والإخلاص لدولة الإمارات التي تحتاج إلى بناتها كي يكنّ، بجانب أبنائها، فاعلات ومؤثرات في المجالات الحياتية كافة.
شائقة ومتشعبة تفاصيل ومحطات قصة مشوار ابنة مدينة العين، في عوالم الدراسة والتحصيل العلمي ضمن الحقل السياسي، وبينما هي تسردها تستشف الكثير حول قيم وجماليات ومنعة مجتمع الإمارات، الذي آمن أهله مبكراً بأن قادتهم، وعلى رأسهم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، خير من يؤتمن على الوطن ويسهر على أمنهم ويحفظ حياتهم ويلبي احتياجاتهم:
شدني وأعجبني كثيراً مجال العلوم السياسية، منذ البدايات، وخاصة مع تشكل لبنات وعيي المعرفي والاجتماعي العام. فكان يعد محور تفكيري وهاجسي على الدوام، وهكذا لم أستطع أن أتصور نفسي في المستقبل، منذ كنت على مقاعد الدراسة في المرحلة الإعدادية، إلا وأنا منغمسة في ميدان الدراسة الأكاديمية السياسية ثم في العمل السياسي والدبلوماسي.
إلا أن هذا الطموح كان كفيلاً، وحين حديثي عنه وإشارتي إليه في أي من المناسبات أو الجلسات وسط محيطي الأسري والاجتماعي العام، في تلك الآونة، أن يثير الاستهجان ويجعلني في مرمى لوم وعتب لا ينتهيان.. فكيف يمكن لابنة الإمارات.. ابنة زايد، أن تفكر حتى في هذا الاتجاه. إذ إن وطننا بأيادٍ أمينة وهناك قادة يديرون الدفة بحكمة ونجاح ورجال يسهرون على التفكير بشؤونه.
وتلك طبعاً، اعتبارات أساسية كانت تكبلني وتأسرني حينذاك معززة ربكتي وحيرتي.. فأنا كنت فعلاً أوافق على هذا الرأي، ولكنني في الوقت عينه، أشعر بامتلاكي ذخراً وطاقة ومهارات كثيرة في هذا الحقل في إمكاني معها أن أخدم وطني وأعضد بنيان قوته عندما أكون في هذا الموقع العلمي والممارساتي الحياتي: مجال العمل السياسي والفكر والعلوم السياسية.
وطبعاً، وبعيداً عن تفاصيل مشواري في ما بعد والتي أفلحت في تتويجها بالنجاح والوصول إلى ما أروم، لا بد وأن نلاحظ هنا أن تلك الوقائع التي أروي تعكس في أبعادها جماليات صورة وحقيقية ذاك العَقْد الاجتماعي القويم في مجتمعنا، بين قادته وشعبه، فالأمانة والثوابت والإخلاص والمحبة والثقة، هي ما كانت وتبقى، تحكم علاقة الطرفين.. الأمر الذي وفر حصاداً وفيراً على دروب التقدم والتطوير والتنمية في القطاعات كافة، بفضل صدق وتفاني قادتنا.. بموازاة تفاعل وثقة أبناء الإمارات الراسخة بهم وبجهودهم.
«أفضال والدتي»
تكفلت عزيمة د.نورة صابر المزروعي بتطويع أعقد الصعوبات التي تحول بينها وبين مشروع حياتها وخيارها في الإسهام بنهضة الوطن، وفق الدرب الذي تختار.. ولكن أيضاً، هناك من وقف بجانبها وشد من أزرها فجعلها أقوى مرات مضاعفة وهي تواجه تحديات الوصول إلى غاياتها:
كان لوالدتي كبير الدور والفضل في وصولي إلى الضفة الآمنة في مسيرة تحقيق مرادي وهدفي العلمي والعملي الحياتي، حيث كانت تقويني وتحفزني وتجعلني أنهض من جديد حين تشعر أني قد لِنت وشرعت بالتخلي عن مطمحي.
وهذا ليس بغريب على الأم الإماراتية.. والمرأة الإماراتية في العموم، التي عرفت بإرادتها الصلبة وبإسهاماتها الفاعلة في حياة مجتمعها منذ قديم الزمان. فهي لطالما كانت، وتستمر، سنداً وعضيداً للرجل في تحمل المسؤوليات الأسرية والمجتمعية والوطنية العامة.
تفرد
تفاخر د.نورة صابر المزروعي، بما حصدته المرأة الإماراتية وإنجازاتها وما وصلته من مراتب قيادية. ولكنها تؤكد، في الوقت عينه، أن هذا ما كان ليتحقق لولا وجود قيادة مؤمنة بالدور الفاعل والمؤثر لها، في الحقول كافة:
وزيرة ومربية ومفكرة وأستاذة جامعية وطيارة ومديرة وأديبة. لا تنتهي قائمة النجاحات والمكتسبات التي حققتها المرأة الإماراتية، ولا أبالغ إن قلت إننا فعلاً بتنا نضاهي، لا بل نسبق، دولاً متقدمة كثيرة وعريقة، على صعيد ما تحتله النساء من مكانة قيادية واجتماعية.. وما تلعبه من أدوار مؤثرة.
وأنا على قناعة تامة بأن هذا حصاد وثمر طبيعي لما زرعه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ورعاه وتبناه قادتنا الذين استلموا شعلة النور والعطاء، من بعده، إذ كانت المرأة الإماراتية، وتبقى، محور اهتمام قادتنا لتعليمها وتنويرها والنهوض بوعيها وتحسين مستويات حياتها والأخذ بيدها لتكون في مقدم ركب التنمية والتطوير.
شرط وواجب
مساقات تطور وازدهار متنوعة تعيشها دولة الإمارات العربية المتحدة، سياسياً وفكرياً واقتصادياً وعلمياً وصناعياً وإدارياً.. جعلتها في مصاف الدول الرائدة والبارزة دولياً. إلا أن تلك المكتسبات والنجاحات، تتطلب في الظروف الراهنة، طبقاً لما تراه د. نورة صابر المزروعي، أن ندعمها ونحصن ركائزها.. بموازاة إيلاء مسائل الوعي الفكري السياسي المجتمعي عناية أوسع:
لم تغفل قياداتنا عن مواكبة أي من مسارات ومجالات التطوير والتحديث، ذلك بفضل قاعدة مبادئ وفكر المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وكذا نتيجة لتوجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، ولحرص ورؤى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ومتابعة وجهود صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
إذ إن جميع هذه الأسس شكلت عناوين وأجندة عمل صريحة وواضحة كان مؤداها بلوغ نجاحات متميزة في المجالات المتنوعة.. وتذخير إمكانات الوطن وقدراته بطاقات خلاقة فاعلة في السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع.. وكذا تجسد السلام والقيم الإنسانية جوهرين فعليين للفكر والعمل السياسي الإماراتي.
ولكن، لا بد لنا من تنويع أجندة الأعمال القاضية بحماية هذه المكتسبات عبر تحصين الوعي السياسي والاجتماعي لدى أبناء مجتمعنا، خاصة وأننا محاطون حالياً بمشكلات ومخاطر وتهديدات رأس حربتها التشدد ومموليه.. بجانب منظومات إعلامية غاية في الخطورة تروج لأفكار هدامة وتحاول التشويش على تميز دولتنا. مؤكد أننا معنيون أمام هذا الواقع، بتبني برامج اشتغال تثقيفية وفكرية وتوعوية سياسية ترتقي بوعي شبابنا بشأن عدالة قضايانا ومواقفنا وطبيعة الأخطار المحدقة بنا.
ولا تفوتني هنا الإشارة إلى النجاح الكبير لدبلوماسية الإمارات التي يقوم على رأسها سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، وما تحققه في المحافل كافة من نجاحات مهمة تصد معها زيف أية ادعاءات بحق دولتنا، وتضيء أيضاً على مبادراتنا ومسلكنا وسعينا الدائم لنشر السلام والمحبة والتعاون في عالمنا.
«العلاقات الإماراتية السعودية».. وحدة المسار والمصير
لا تقصر د. نورة صابر بن عبلان المزروعي محاور بحث كتابها على تاريخ العلاقات الإماراتية السعودية فحسب، بل تدرس واقع تلك العلاقات في الزمن الحاضر وفي التاريخ الحديث، والتي وصلت إلى أعلى مراتب التعاون والتنسيق في كافة المجالات، مؤكدة في خلاصات نقاشاتها أن التنسيق والتعاون بين الدولتين، شكل دعامة استقرار وقوة في المنطقة. وتتوسع الباحثة في ذكر جهود المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في بناء الدولة الحديثة ومواجهات كافة التحديات الداخلية والخارجية، ومن أهمها الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث.
إمكانات
وتناقش مؤلفة الكتاب ضمن أبحاثها ومحاور دراستها، الكثير من المسائل في صميم علاقة الجانبين، موضحة كيف تغلبتا على أية عقبات بسيطة في سبيل تكوين علاقة استراتيجية ذات ثقل ومكانة كبيرين، لما تمثلانه معاً من أهمية في منطقة الخليج العربي ووطننا العربي والعالم أجمع، خصوصاً وأن الدولتين تحوزان إمكانات وقدرات وأهمية جغرافية وتاريخية. إضافة إلى حرصهما وتمسكهما بالثوابت والمبادئ القاضية بنصرة القضايا العربية والتصدي لأي عدوان بحق دول الخليج العربي والدول العربية.
وتحيلنا الباحثة في استعراض ذكي هادف، إلى جملة إسقاطات عصرية تعكس جدوى تحالف الجانبين وقيمته كضمانة ومنعة لدول الخليج العربي، مبينة عبر فصول الكتاب أن هذا التحالف كان ويبقى مصدر قوة للعرب بشكل عام، ومؤكدة أيضاً أن تعاون الجانبين، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وفكرياً، عماد وضمانة الاستقرار في المنطقة، والأساس المتين لردع أية مخططات تخريبية ومشروعات هدامة تهدد استقرار المنطقة وتمس أمننا المجتمعي وتضر بمصالحنا.
1974
تستعرض الكاتبة في سياق دراستها دور معاهدة جدة في عام 1974، في تعزيز أوجه التقارب والعمل المشترك والبناء بين الدولتين، مشيرة إلى سعيهما معاً لتخطي أية عقبات بسيطة أو مسائل عرضية يمكن أن تؤثر على قوة تضامنهما وتنسيقهما في المواقف كافة.. وتنتقل لتلفت إلى أن رسوخ العلاقة المتينة بين الطرفين، يعد في أبعاده امتداداً وتجسيداً لعلاقات الأخوة بينهما.. ورغبتهما المشتركة في صد أي عدوان عسكري أو فكري على المنطقة والعالم العربي.
ومن ثم تلمح الكاتبة إلى ضرورة تقوية مفاصل وركائز استمرارية هذا التكاتف والتعاون بين دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية في عصرنا الحالي، للوقوف في وجه كافة المشروعات الهدامة والتخريبية التي تقودها دول ومنظمات خطيرة في منطقتنا وعالمنا، تسعى لتفكيك الأوطان والنيل من تقارب الأشقاء ونشر الفكر الهدام.
كذلك، لم تهمل الكاتبة التطرق لمفاصل استراتيجية مهمة أرادت معها أن تبين جميع مراحل العلاقات بين الطرفين، خلال حقب تاريخية كثيرة، مستعينة بوثائق وأبحاث من المحفوظات البريطانية والتقارير الأميركية.. إضافة إلى المقابلات الشخصية.. لتخلص نهاية المطاف، إلى أن علاقات الجانبين المتميزة عماد قوة العالم العربي ودعامة إفشال جميع المشروعات المشبوهة المروجة للتشدد والفكر الإجرامي.
بطاقة
د. نورة صابر بن عبلان المزروعي. باحثة وكاتبة، أستاذ مساعد في أكاديمية الإمارات الدبلوماسية. وتشارك في إعطاء دورات تدريبية في برنامج سفراء الدولة في الأكاديمية. تُدرّس في جامعة زايد وجامعة أبوظبي. وهي حاصلة على الدكتوراه في الدراسات العربية والإسلامية من جامعة إكستر البريطانية. وفازت بجائزة العويس للإبداع 2017 عن فئة أفضل كتاب عن دولة الإمارات العربية المتحدة. لديها كتاب بعنوان «تاريخ العلاقات الإماراتية السعودية».