نموذج للكاتب الشامل والمثقف المتكامل الجامع لمختلف ضروب العلم والمعارف، بما يحمل من تجارب في مختلف مناحي الحياة السعودية والعربية، فهو من أبرز رجال الأعمال السعوديين وعضو مجلس الشورى السعودي ومؤسس شركة الوسائل الصناعية، لكنه فضلاً عن ذلك كاتب ومعلم يهتم بالكتاب ويرى بأنه وجد ليبقى، ولن يتأثر بالعولمة وتسارع تكنولوجيا التواصل، إنه الدكتور عبدالرحمن بن عبد الله المشيقح من المملكة العربية السعودية الذي أصدر مؤخراً كتاب «عقود في حوار» حيث كان لنا معه الحوار التالي في حديث عن الأدب والثقافة والتراث.
حرفة الأدب
باتت الكتابة التوثيقية من المهام الشاقة التي يبعد عنها معظم الكتاب والتوجه إلى الراوية والقصص القصيرة التي تناسب هذا الجيل، فكيف نعمل على إعادة الكاتب العربي لمثل هذه الكتابات وإعادة القراء لها؟
الكتابة التوثيقية أو العلمية تحتاج إلى هدف محدد لما تريد الوصول إليه كما تحتاج إلى جهد كبير في تخصيص جزء من الوقت وتخصيص المكان المناسب لحفظ ما تكتب ورقياً أو إلكترونياً وتوفير المراجع المناسبة، فالكثير من الكتاب لا يجدون من الدعم المادي والمال الكافي لإكمال منجزاتهم وكما قيل قديما فلان «أدركته حرفة الأدب» أي أن معظم الكتاب لا يجدون من يدعمهم والدفع بمسيرتهم العلمية والأدبية قدماً من خلال دور النشر وغيرها من دور الثقافة التي لا تهتم كثيرا بالكتاب العلمي أو التوثيقي، بينما تلقى بعض الروايات والقصص ذات التوجّه التجاري من الرواج التسويقي والدعم المادي وتسليط الضوء عليها إعلاميا لأنها في الغالب تدر على صاحبها مكاسب مادية بوفرة ويرجع ذلك لاهتمام السواد الأعظم من الجماهير العريضة بمثل هذه النوعية من الكتابات وحينها تكون المادة العلمية والثقافية الرصينة بحاجة إلى من ينهض بها ويدعمها أدبياً ومادياً، حيث إن إعادة الكاتب العربي لمثل هذه الكتابات تحتاج إلى جهد كبير.
حفظ التراث
في هذا الإطار نجح جمعة الماجد في الحفاظ على الكثير من المخطوطات والكتب النادرة من الاندثار فضلاً عن تشجيع الشباب على القراءة والبحث العلمي، هل لديكم تنسيق معه في سبيل الحفاظ على الكتاب العربي والوثيقة العربية من التراجع والاختفاء؟
لقد نجح جمعة الماجد نجاحاً بارزاً ومميزاً في إنشاء مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث في دبي لذا اعتقد انه من النادر جدا أن يوجد شخص بمفرده يمتلك هذه الإمكانات الهائلة المسخرة لخدمة الكتاب والمخطوطات والوثائق التراثية، حيث يضم المركز مليون نسخة مخطوطة ومليوناً وثمانمائة ألف كتاب ومائة وتسع عشرة مكتبة شخصية آلت إلى هذا المركز بالشراء أو الإهداء، فضلاً عما يقدمه هذا المركز من خدمة للباحثين والدارسين وسأحاول التعاون معه وابذل قصارى جهدي في هذا المجال وأحث الجهات الحكومية وغير الحكومية للتعاون والتنسيق معه لأن في ذلك خدمة لكتب التراث والمخطوطات وحفظها من الضياع والاندثار، وفي هذا المجال أحث رجال الأعمال وأصحاب الثروات لتقديم مشاريع للنفع العام في كل مجال وتخصص فهذا المركز يعتبر قامة عالية في مجال العلم والثقافة والتراث.
مستقبل الكتاب
هل للكتاب قدرة على أن يكون صديقاً لهذا الجيل وكيف ذلك في ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي والمدونات ؟
الكتاب وجد ليبقى مرافقا للإنسان أبد الدهر فقد يخبو عند أمة ويزدهر عند أخرى لا شك أن الحواسيب الإلكترونية والهواتف الذكية استحوذت على مساحة واسعة من مصادر المعلومات المتنوعة حتى صارت منافساً قوياً للكتاب لكنها أيضا خدمت الكتاب بشكل كبير من حيث سهولة طباعته وحفظه وتصفحه في أي زمان ومكان.
فعندما تزور معارض الكتب في الشارقة ودبي والرياض وجدة والقاهرة وباريس وغيرها من بلدان العالم تصاب بالذهول من كثرة الرواد والمقتنين للكتب أي أن ما زال الكتاب بخير، المهم في الموضوع أن يكون من واجبنا إبراز الكتب والمؤلفات والمصنفات الحديثة والتراثية وتقديم مختارات مناسبة لتعريف الشباب والأجيال الصاعدة بها.
في الإمارات تجربة طويلة عبر معرض الشارقة للكتاب، كيف يمكن لمعارض الكتب أن تكون أحد الحلول؟
المعارض تجعل العالم بين يديك ومختلف دور النشر تكون أمام ناظريك وترى الإنتاج الغزير وما هي اهم مراكز الإنتاج في العالم وأين ينصب الاهتمام وكما ذكرتم فإن معرض الشارقة للكتاب يعد أحد اهم هذه المعارض المهمة في هذا الصدد.
أنت معلم فكيف ترى واقع الطلاب في المدارس اليوم وعلاقتهم بالكتاب فهل هناك قصور من وزارات التربية العربية في توطيد علاقة الطلاب بالكتاب؟
نعم كنت معلماً في المرحلة المتوسطة والثانوية ومعهد المعلمين ثم مديراً للمعهد الفني الزراعي النموذجي ببريدة ولي كتاب صدر منذ أكثر من عقدين من الزمن حول التعليم المهني والتقني في العالم العربي كما شاركت في تطوير مناهج الأحياء للمرحلة الثانوية قبل ثلاثة عقود من الزمن خلال المؤتمر المنعقد وقتها في بغداد وذلك بتكليف من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الأليسكو»، فما يناسب ذلك العصر قد لا يناسب غيره، فالكتاب اليوم لا ينبغي أن يكون كل شيء في المدارس والجامعات، حيث الآن الأجهزة الذكية والسبورات التفاعلية وسهولة الوصول إلى مصادر المعرفة.
كيف أثرت البيئة السعودية على ذائقتك؟
البيئة من أهم المؤثرات في سلوك الإنسان وتفكيره، فأنا نشأت في أسرة المشيقح المعروفة بحبها وتوقيرها للعلم والعلماء وممارستها للتجارة، زاد ذلك نهمي وحبي للقراءة، كما أن بيئة المدرسة الثانوية في ذلك الوقت تتفوق على كثير من الجامعات، وكان لانتقالي إلى مدينة الرياض للدراسة في كلية العلوم جامعة الملك سعود أثر كبير في توسيع مداركي، وجاء إكمال الدراسة في الولايات المتحدة الأميركية إضافة ونقلة نوعية وحتى الوظائف التي تسلمتها كان لها دور واضح واثر كبير في مسيرة حياتي، وقد صاحب هذا نمو في مكتبتي الخاصة من عدد محدود يصل الآن إلى قرابة العشرين ألف كتاب.
هل الكاتب ابن بيئته في تناوله للقضايا وفيما يكتب أم الأحداث؟
الكتب ليست متشابهة بل هناك كتب متأثرة بالمكان أو الزمان ومنها ما هو مرتبط بالأشخاص والأحداث، وعموما فإن الكاتب يكون ابن بيئته في الشعر والنثر الأدبي والقصص والروايات أكثر من غيرها.
«عقود في حوار».. سيرة ومرآة للحياة اليومية السعودية
«عقود في حوار» عبارة عن سيرة ذاتية للمؤلف عبدالرحمن المشيقح، شارك آخرون في صياغتها من خلال ثمانية وثلاثين لقاء صحفياً خلال أربعة عقود من الزمن، ويعتبر مرآة صادقة تعكس وتؤرشف للحياة في المملكة العربية السعودية في مجالات عدة، منها التعليم والغرف السعودية والاقتصاد والشورى ويمكن أن يستفيد منه الصحفي المبتدئ للتعرف إلى صياغة الأسئلة بالإضافة إلى جوانب تاريخية متعددة.
أسلوب جذاب
وتزامن تدشين كتابه مع حملة أطلقها جمعة الماجد مؤسس مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث في دبي للحفاظ على الكتاب وتوفيره لمن يجد صعوبة في اقتنائه، خاصة كتب البحث العلمي ويكون حلقة وصل بين مختلف الشعوب العربية وغير العربية التي تتطلع لمعرفة حياة وتاريخ العرب، وهو ما وجده جمعة الماجد في كتاب «عقود في حوار»، الذي يوثق بأسلوب جذاب ومشوق للحياة في المملكة العربية السعودية خاصة فيما يخص بدايات التعليم وهو ما تجسد في الحوار الأول في الكتاب عبر أحاديث وافية عن المعهد الفني الزراعي في بريدة.
والمرحلة الثانية عبر حوارات عن غرفة القصيم وبيت التجار، تلك المنشأة الهامة التي تعمل على الربط بين الحكومة والقطاع الخاص وما دار فيها من عمل.
ويقدم المشيقح في أجوبة توثق لتجربة الشوري في مجالس ادارات العمل من خلال عمل جماعي طموح يتسم بالواقعية وهو درس لكثير من دعاة الروتين في يومنا هذا.
قبة الشورى
ومن المراحل المهمة في تفاصيل الكتاب قبة مجلس الشوري السعودي الذي يوضح أن مجلس الشوري شريك في صياغة الكثير من التشريعات المهمة وهو أمر كان محل إشادة جمعة الماجد عندما طالع الحوار الخاص بمجلس الشوري لعبد الله المشيقح.
صدر للمؤلف عدة كتب وهي «التعليم المهني والتقني في العالم العربي» وكتاب «بنجر السكر زراعة وصناعة» وكتاب «المقيس بين السبت والخميس» وكتاب «سطور في التنمية» و«معجم المشيقح لمصطلحات العلوم الزراعية والبيئية انجليزي - عربي»، حصل على جائزة وزارة الإعلام في معرض الكتاب بالرياض عام (1433 - 2012م) وآخرها كتاب «عقود في حوار». ولكل كتاب من هذه الكتب قصة، كما يعمل على رفد المكتبة العربية بعدة كتب بعضها على وشك الصدور مثل كتاب عن والده بعنوان «رجل ومجتمع» وكتاب «رحلة الكلمات العربية في اللغات الأوروبية» ومعجم للمصطلحات التقنية باسم «معجم الوسائل» يتكون من جزءين وكتب أخرى.
سيرة
عبد الرحمن عبدالله المشيقح، كاتب وإداري سعودي، من مواليد مدينة بريدة السعودية عام 1364 هـ، الموافق 1944م، حيث نشأ وتلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط والثانوي، حصل على دكتوراه في التربية من جامعة كندي وستيرن بالولايات المتحدة سنة 1989، تقلد العديد من المناصب، كما حمل عضوية مجلس الشورى السعودي.