مريم الهاشمي:

الإمارات حريصة على توثيق وحفظ التراث

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

سِيَر وإنجارات تستحق الاحتفاء بها، وقصص إصرار وإبداع تستحق أن تُروى، وبجولة في كتاب «تطور الحركة الشعرية في الإمارات - جماعة الحيرة» لمؤلفته د. مريم الهاشمي، نجد أنفسنا أمام سلسلة من أعلام الإمارات، أعادتهم الكاتبة إلى دائرة الضوء من خلال عملية بحثٍ مضنية، ووضعت تجاربهم الشعرية تحت المجهر بعد جهد استغرق 5 سنوات من العمل والتمحيص، فقدمت نماذج ذات فكر وطموح عالٍ، تخطت العواقب والظروف الصعبة، لتترك بصمةً إبداعية لا يمحوها الزمن.

«بيان الكتاب» تواصل مع د. مريم الهاشمي، التي يعد كتابها هذا خطوة مهمة في مجال توثيق التجارب الأدبية البارزة، حيث أضاء الحوار معها على أبرز محطات الكتاب والتحديات التي واجهتها.

يظهر شغفك بالتجربة الغنية لشعراء «جماعة الحيرة»، هل يعود ذلك لقلة المصادر والوثائق، أم ربما كان لذلك علاقة بنشأتك وعلاقتك بالمكان، أم لإدراكك مدى أهمية الحركة الشعرية في هذه المنطقة؟

قد يتبادر في أذهان البعض أن أكثر الشعر المتداول في المنطقة هو الشعر النبطي، أو ما يعرف بالشعر العامي، ولكن بعد البحث والتمحيص واستناداً إلى ما ذهب إليه من سبقوني في البحث في هذا المجال، تبين أن الحركة الشعرية في الإمارات أفرزت عدداً من الشعراء الذين ساهموا في بلورة فن أدبي حديث، ما عكس طموحاً نحو الإصرار على تكوين شخصية إماراتية متفردة ومتأثرة في الوقت ذاته بالقومية والذات العربية، مع حضور الشخصيات المؤثرة في التاريخ الإسلامي.

وجمع 3 تجارب مهمة لـ«شعراء الحيرة» الإماراتيين في دراسة واحدة، جاءت من منطلق التركيز على الروابط الوثيقة التي ربطت بينهم، كالصداقة منذ الطفولة، ثم الرابط الأدبي وهو الشعر والغوص في بحوره.

وتكمن أهمية الدراسة في أن «جماعة الحيرة» قد أثروا بمن جاء بعدهم من الشعراء، وهذا التأثر شيء كان لا بد منه، فكل الأجيال الأدبية تتأثر بمن يسبقها وتؤثر في من يليها، و«جماعة الحيرة» مثلها مثل كل شيء وشبر في هذا الوطن، نحمله معنا ويملي علينا واجبنا الوطني قبل الأدبي أن نعطي كل ذي حق حقه من الدراسة، والأولى في ذلك أبناء الوطن.

آفاق

بعد توثيقك لتطور الحركة الشعرية لجماعة الحيرة، ما أكثر ما أثار دهشتك في تجربتهم؟

المثير للدهشة بل الإعجاب أن شعراء الحيرة كانوا عصاميين في تكوين شخصياتهم الأدبية، في زمنٍ كانت أروقة المساجد ومدارس الوعظ هي المنفذ الوحيد لنهل العلوم الأخرى، وهذه الحركة الثقافية الذاتية هي التي شكلت شخصياتهم من خلال قصائدهم، والنهضة الثقافية التي تأثروا بها من الحياة التقليدية وبما كانت تحمل من عادات وتقاليد وأعراف، والقومية التي اكتسبوها من خلال احتكاكهم بغيرهم من خلال الأسفار، أو من خلال ما كان يصلهم من مجلات ثقافية، كل ذلك فتح آفاقاً للكتابة الشعرية لديهم وأثار فيهم تلك الثورة الأدبية.

تحدياتعدةواجهتِهاأثناءعملكعلىالكتاب،أبرزهاالافتقارلبحثشامليجمعشعراءالحيرة،ماالتحدياتالأخرى؟

كل تحدٍّ يمر به الباحث يعطي عمله قيمة أكبر، وما يبقي الذهن متقداً هي تلك الأشياء التي لم تحل بعد، وللدكتور يوسف نوفل مؤلف ألقى الضوء فيه على مجموعة من الشعراء المحليين ومنهم شعراء الحيرة، ولكن أن يُجمع الشعراء الثلاثة: الشيخ صقر القاسمي وسلطان العويس وخلفان بن مصبح، والذين اعتبرتهم في دراستي جماعة الحيرة، فهذا ما أعطى الكتاب قيمة أكبر، كما واجهت اختلافات في رؤى بعض الدارسين ممن اعتبروا جماعة الحيرة مجموعة أكبر على أساس المولد والنشأة، وغيرهم ممن حصروها في النشأة أو المولد فقط، وقد تطرقت إلى ذلك في الدراسة، والشعراء الذين تناولهم كتابي جماعة ربطتهم صداقة ومولد ونشأة واجتماع أدبي بين جدران الحيرة.

كم استغرق العمل على الكتاب؟

ألوم نفسي التي تهوى العمل المتزن الهادئ ولا تستعجل الأمور، وقد يرى البعض في ذلك شيئاً من السلبية، لكن بالنسبة لي، لا أتعجل ظهور العمل إلى النور إلا بعد إعطائه حقه من البحث، ولذا استغرق العمل على الكتاب خمس سنوات تقريباً بين وضع وحذف، إلى أن رأى النور.

مقارنات

برز التنوع بشكل واضح في الاتجاهات الأدبية لدى «شعراء الحيرة»، وتهادت أشعارهم على وقع الغزل والرومانسية تارةً، والقومية والوطنية تارةً أخرى، لأي مدى تركوا بصمةً واضحة في هذه المجالات بالمقارنة مع غيرهم من الشعراء الخليجيين والعرب؟

الكتابة الشعرية تتأثر حتماً بالثقافة والبيئة والحياة الاجتماعية والاقتصادية، هذا فضلاً عن التحولات الفكرية والسياسية التي شهدها العالم العربي في القرن الماضي، مع الانقلاب العميق الاقتصادي والأخلاقي والنفسي، ولذا، فالمنطقة لها تاريخ قبل ظهور النفط وبعده، ومن يطّلع على أشعار «جماعة الحيرة» سيفاجأ بجرأة وشجاعة هؤلاء الرواد في إثارة أسئلة كبرى وفي تواصلهم مع المشروع النهضوي، وبقدر تأثرهم بالاتجاه الرومانسي كانت سطوة الكلاسيكية العربية واضحة في شعرهم، حيث كان التأثر بالمعجم التراثي اللغوي والاهتمام بالتصوير البياني وشيوع الحكمة. فمع «جماعة الحيرة» نقع على مرحلة انتقالية ترث الكلاسيكية أو النيوكلاسيكية، وإن حافظت على الشكل الكلاسيكي العمودي للقصيدة العربية.

بمقارنة أشعار «جماعة الحيرة» الموثقة بكتابك، بشعراء المنطقة اليوم، هل ظهر التأثر بتجربتهم واضحاً، أم انحاز شعراء اليوم لأنماط واتجاهات أدبية وقضايا مختلفة؟

كما تأثر شعراء جماعة الحيرة بغيرهم كان التأثير على من خلفوهم من جيل القصيدة، و«جماعة الحيرة» انتقلوا بالشعر العربي إلى تيارات التجديد والمعاصرة، التي رققت الشكل الكلاسيكي وهذبت ألفاظه وخففت إيقاعاته ونوعتها، وخلعت عنها الصبغة الذاتية الوجدانية، لدرجة كانت تنشق عن هذا الشكل الرقيق إلى قصيدة التفعيلة الحديثة التي بدأها الجيل الحديث، وهذا التجديد عندهم يتخذ من اشتباك أصحابه بروح المعاصرة، ومن الطبيعي أن ينحاز الجيل الجديد بشعراء ازدهر على أيديهم الشعر، ولا شك في أن المذاهب الأدبية التي تهيمن في عصر ما، تتراجع في عصر آخر فاسحة الطريق لمذهب آخر أو اتجاه جديد، استناداً إلى ظروف تاريخية واجتماعية وثقافية.

لا ضير

ذكرتِ في خاتمة الكتاب أن شعراء الحيرة اهتموا باستحضار الشخصيات التاريخية المؤثرة لتعبر عن الفخر بتاريخ وماضي الأمة، بالنظر لشعراء اليوم، نجد هذا الجانب يكاد يكون مفقوداً، ما تعليقك؟ وهل أصبح استحضار البطولات التاريخية ضرباً من الماضي؟

لطالما كانت العاطفة القومية تؤرق «شعراء الحيرة»، وكان للشعر القومي حضور لافت، فتارة يلقي الضوء على القضية الفلسطينية، وتارة جنوب لبنان، وتارة أخرى على النضال العراقي، ما انعكس على الإبداع الشعري، كما كان الفخر بالتاريخ في سبيل رفع الهمم مع حضور الموروث الإسلامي حاضراً بقوة أيضاً، ليستمد نماذج وصوراً أدبية اعتُبرَت مصدراً قوياً لإلهامهم الشعري. وإن كان هذا الجانب مفقوداً عند شعراء اليوم، فهذا لا ينتقص الإبداع عند شريحة عريضة منهم، فالأساس في الآثار الأدبية أن تحقق فهماً أعمق للنفس البشرية، ولا ضير إن تأتّى ذلك بأي طريق للإبداع.

كيف تقيمين حركة التوثيق الشعري في الإمارات، وما الذي نحتاجه للحصول على موسوعة متكاملة من التجارب الموثقة؟

إن دولة الإمارات من خلال مراكزها الثقافية والإعلامية، خطت خطوات جادة في هذا الشأن، وجاءت المبادرات لتوثيق تلك الجهود، وما زالت مستمرة، وأجد أن المضي في هذا الشأن هو السبيل في حفظ التراث الإنساني لأي منطقة، ومواكبة الزمن في ذلك، فلا نعتمد على أطلال انتهت.

«جماعة الحيرة».. تطور الحركة الشعرية في الإمارات

في 276 صفحة، يقع كتاب «تطور الحركة الشعرية في الإمارات.. جماعة الحيرة»، لمؤلفته د. مريم الهاشمي، ويندرج الكتاب ضمن «سلسلة أعلام من الإمارات»، التي أطلقتها مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، لتلقي الضوء على الشخصيات المؤثرة صاحبة البصمة المهمة في مجالات الثقافة.

وبجولة في الكتاب، نجد أنفسنا أمام 3 من أبرز شعراء الحيرة، هم: الشيخ صقر القاسمي وخلفان بن مصبح وسلطان العويس، ويمثل عملية بحث مكثفة ودراسة جادة جاءت لتجيب عن تساؤلات تتبادر في ذهن ابن المجتمع المهتم بالحركة الشعرية: نشأتها وعلى يد من بدأت، وكيف تطورت؟

وتناول الكتاب الاتجاهات الأدبية لشعراء الحيرة والخصائص الفنية لهم، وانتقل إلى دراسة بنية القصيدة وخصائصها الأسلوبية والجمالية وبيان اتصال عناصرها بالموروث الثقافي، وعبر هذه الفصول، تتضح الرؤية الشعرية لـ«جماعة الحيرة».

أصالة

نقاط عدة سلطت عليها د. مريم الهاشمي الضوء في كتابها، أبرزها أن الشعر الإماراتي، ومنذ البدايات، أثبت أصالته، وأنه يوازي بمستواه الشعر العربي في أرجاء الوطن العربي، ويتأثر به التأثر الكبير مع حفاظه على طابعه الخاص والمتميز.. المستمد من دينه وبيئته وعاداته وتقاليده وموروثه، مشيرة إلى أن القضايا القومية العربية كان لها الأثر الواضح عند «جماعة الحيرة»، فهم من جيل شعراء اتسموا بالحس القومي العالي، ولافتةً إلى اهتمام هؤلاء الشعراء بالموروث التاريخي ما يجعل شعرهم وثيقة تاريخية واجتماعية وإنسانية.

صور فنية

وتناولت المؤلفة الصورة الفنية في أشعار «شعراء الحيرة»، الذين اعتمدوا في مضامين أشعارهم الرفيعة على مصادر كثيرة، مثل: القرآن الكريم، التاريخ والموروث الأدبي والطبيعة. وهو ما يدل على ثقافتهم الواسعة وتأثرهم بشعراء العربية في مختلف الأحقاب التاريخية، لافتةً إلى أن أغلب صور الشعراء تستثمر تقنيات التشبيه والاستعارة. كما تطرقت للحديث عن الموسيقى الشعرية لافتة إلى أن شعراء الحيرة استخدموا الشكل التقليدي للقصيدة العربية في الاعتماد على الأوزان والقوافي ولم يجددوا إلا في تنويع القافية.

ذاتية وحلم

ومن خلال الدراسة، أكدت الكاتبة أن الشاعر الإماراتي يضارع واقعه بالذاتية والحلم، وهذا يدل على تفاؤله وثقته وإيمانه، وحين يصدم بالواقع، كانت المرأة سواء الزوجة أو الابنة أو الحبيبة - هي التعبير الأجمل عن الحرية الفردية أو المتعة الجمالية.

Email