التونسية حياة الرايس: نصوصي وأشعاري امتداد لروحي

ت + ت - الحجم الطبيعي

بدأ اسمها الظهور في عوالم الأدب منذ ثمانينيات القرن الماضي، ومع أوائل التسعينيات منه، إذ نشرت الكاتبة التونسية حياة الرايس أولى مجموعاتها القصصية بعنوان «ليت هنداً»، ثم على مدى أكثر من ربع قرن استطاعت أن تبدع في مجالات أدبية مختلفة، وأن تصنع أدباً يشير إلى اسمها وحبها لعالم الميثولوجيا وقراءة أساطيره في الحضارات القديمة شتى.

وهي تبين في حوارها مع «بيان الكتب» أن الشعر عالمها وهيامها ودأبها الدائم، وأن جميع نصوصها تمثل امتداداً لروحها.

المتابع لكتاباتك يجد فيها لغة رصينة وشاعرية. فما منبعها؟

إنكِ تبشرينني، ومع ما تقولين، بنضج إبداعي أسعى إليه ويسعى إليَّ منذ ثلث قرن من مسيرتي الإبداعية، التي رفدتها بينابيع عديدة، وربّما كانت مقدماتها في الكُتّاب ومع حفظ القرآن الكريم الذي يعطي مَلكة اللغة وقوّتها وفصاحتها وبلاغتها، ثم دراسة فلسفة الإغريق في أحضان حضارة بلاد الرافدين.

ويضاف إلى ذلك، طبعاً، أنني حظيت بأبٍ حكّاء بالفطرة، علّمني فن القص ومتعة التشويق منذ الصغر، وكذا بأم طرّازة علّمتني «غرزة الحساب»: أن أيّ غرزة زائدة تفسد رسم اللوحة كلّها؛ كاللغة العربية تماماً التي يفسد مزاجها أي حرف زائد.

أما فيما يتعلق بلغتي الشاعرية فالشعر هو وجدان الأرض وروحها، وأنا امرأة تعيش شعرياً على الأرض، ونصي هو امتداد لروحي.

التراث

استعنتِ بأسطورة عشتار في مسرحيتك «سيدة الأسرار عشتار». فكيف استفدتِ منها ووظّفتها؟

كان حظّاً جميلاً أن أدرس فلسفة الإغريق في رحاب حضارة بلاد وادي الرافدين، وكنت أُقبل بهمّتي على كشف رموز الميثولوجيا الرافدية التي تتقاطع مع الميثولوجيا اليونانية وفك رموزها وأسرارها، وكان أن وقعت في أسر حكايات وأساطير الأولين التي تروي أقدم المغامرات الإبداعية للمخيّلة البشرية.

وسحرتني هذه المخيّلة الولّادة والخلّاقة التي ما انفكت تبدع وتبتكر مغامرات جديدة وتسرد حكايات البدايات الأولى، ووجدت نفسي أدور ضمن دوّامة مسكونة بحكايات وأساطير، وكانت «عشتار» هي الحاضرة الأقوى على مسرح الأحداث، ووجدتها رمزاً مشتركاً بين ديانات عدة وحضارات عدة؛ فعمدت إلى بعثها من جديد كصلة موصولة بالعلاقة الوجودية.

ولعلي أيضاً، بإعادة كتابة «عشتار»، أدافع عن حبّ الحياة بالكتابة التي هي الحياة الأخرى للذات الأنثوية. إذا ذكرنا عشتار من جديد نجد أنها تعبّر عن عالمك في بغداد. فأين الوطن الأم «تونس» في أعمال حياة الرايس؟

«عشتار» ليست كل أعمالي، هي مسرحية طبعت طبعات عدة، بين تونس والقاهرة والإسكندرية، أما تونس الوطن الأم، فهي حاضرة في كل أعمالي.

نساء مقهورات

في كتابك المنشور في القاهرة عام 1995م، رصدتِ عالماً آخر للنساء الواقعات تحت قهر المجتمع. هل ما زالت النساء يعانين القهر ذاته حالياً؟

تحدثتُ في الكتاب عن العوائق التي تكبّل المرأة..وانتهيتُ فيه إلى عوامل تحرر المرأة. وحتى الآن، أظن أنه لا تزال المرأة تعاني من الإهمال والظلم في العديد من المجتمعات العربية. ودعيني أشير هنا إلى أن الكتابة متنفس جميل للمرأة. فمعها هي تدلف إلى حيوات ومطارح تجعلها تستقل في عالمها وخصوصيتها.

دور المثقف

كيف ترين وتقيمين طبيعة دور المثقف في الارتقاء بمجتمعه؟

على المثقف، حالياً، أن يلتقط أنفاسه ويعدّ مشروعه الذي يبدأ فيه بطرح سؤال حياتي جوهري، ولكن ليس وفق وجهة ذلك الطرح التقليدي: من نحن؟ ومن الآخر؟ لأن إشكاليات الأنا والآخر وشرق وغرب وشمال وجنوب، قد بليت.

مقدمات وذخر

تنوع إنتاجك الأدبي ما بين مسرح وقصص قصيرة وشعر، فهل ستطرقين باب الرواية قريباً؟

بدأتُ قاصة بمجموعاتي : «ليت هنداً» و«أنا وفرنسوا» و«جسدي المبعثر على العتبة»، هذه كلها عناوين مجموعات قصصية تخللتها مسرحية «عشتار»، وهو نص أردته مسرحياً، فإذا به نص منفلت من التجنيس، بحسب تعبير الناقد كمال الرياحي، وتخلل هذه الإصدارات ديواني الشعري «أنثى الريح»، وكان قبله «جسد المرأة من سلطة الإنس إلى سلطة الجن»،.

وهو بحث فلسفي أو مقاربة سيكولوجية أنثروبولوجية للأعراض المرضية التي تكبل المرأة. كل هذه الأشكال الإبداعية المختلفة حضرتني وجهزتني لولوج عوالم الرواية التي شرعت أنشر أولاها مسلسلة منذ سنتين في مجلة «ألف باء» العراقية، كنوع من إثراء أدب البوح الذي تفتقر إليه الكتابات النسائية، قياساً إلى كتابات الرجل في هذا المجال.

وأريد أن ألفت هنا، وفي سياق مجالات بحثي وتناولي الروائي، إلى أنني أحاول في غوصي بالتراث، أن أفتش به وأبحث في مفرداته بعمق فلا أتناوله بشكل تقليدي .

تابوهات

ماذا بشأن رؤيتك عن حضور التابوهات في الأعمال الأدبية؟

لدي قصّة في الصدد أثارت ضجة وأسالت حبراً كثيراً، واتُهمت من البعض من جرائها بارتكاب إثم، وهي في الحقيقة قصة رمزية عن الصراع الوجودي الميتافيزيقي الأزلي بين الحياة والموت، بين الفناء والخلود، وفيها يبرز البطل: وهو الكاتب «عمر الخالد» الذي يؤدي كبير الدور في إضفاء تساؤلات وفتح آفاق تفكير متنوعة في الصدد، وهو ما يجعلنا نعيد التفكر والتأمل في الكثير من التابوهات التي تحيط بنا في الحياة.

عشتار «سيدة الأسرار» والحب والتضحية

تنهل الكاتبة التونسية حياة الرايس من عالم الميثولوجيا البابلية لتقدم أسطورة سومرية خاصة، وهي أسطورة عشتار، التي تعود إلى العصور القديمة، وتحمل بين طياتها الحب والجمال والتضحية.

النص المسرحي «سيدة الأسرار عشتار» الذي تقدمه الرايس في صفحات قليلة لم تتجاوز المئة، ونشرته دار شمس للنشر والتوزيع، حظي بإشادات كثيرة، واختارته للفوز لجنة تحكيم الملتقى الإبداعي السابع للفرق المسرحية المستقلة في القاهرة أخيراً.

ليكون ضمن أفضل النصوص المسرحية المتميزة التي ترجمت إلى اللغة الإنجليزية، والتي نُشرت في نسخة مزدوجة باللغتين العربية والإنجليزية، من خلال ثنائية لغوية تهدف إلى تعريف القارئ، على المستويين المحلي والدولي، بقضايا المسرح النسائي العربي.

العصر الأمومي الأول

تقدم الرايس في هذه المسرحية رؤية عن المرأة في صورة عشتار المتجددة والقوية وصاحبة المكانة المهمة، وتشير إلى بُعد آخر، وهو تخليص الأنثى من تهم كثيرة تحيط بها، ولحقت بها على مدار التاريخ. كما يمكن اعتبار هذا النص المسرحي رؤية في الماضي والحاضر على صعيد تطور أحوال المرأة، ليس المرأة العربية فحسب؛ بل رؤية عالمية عن المرأة الأولى التي تعود إلى العصر الأمومي الأول.

بعد سيكولوجي

تقدم الرايس، من خلال رؤية أسطورية، تفسيراً سيكولوجياً وقراءة نفسية لأعماق المرأة من خلال الأسطورة البالية عشتار، التي تمثل المرأة بتنوعاتها واختلافاتها وما ترميه من أبعاد على مكانة المرأة وتأثيرها في المجتمع؛ ولذا تعتبر المسرحية ذات رؤية نسوية خاصة تتناولها امرأة، وتعبر عنها امرأة وتقدم إلى امرأة.

ووفق رؤية عدد من النقاد، ضربت الرايس بهذه المسرحية التابوهات عرض الحائط؛ لتقدم رؤية عما هو مسكوت عنه وغائب فيما يخص المرأة، موضحةً أنها ليست رهينة قيود التحريمات والاعتقادات غير الصحيحة بخصوصها، وتقول عشتار في المسرحية:

«إلى العرس المقدس أمّي كانت قد أعدّتني

إلى لقاء تموز، زوجي الموعود، أعدّتني

يما يليق بملكة سومرية.

بماء الإبريق المقدس استحممت

... ورصّعت بحجر الدّر ضفائر شعري.

وبالأقراط البرونزية زيّنت شحمة أذني.

ومختلف أنواع الحلي لوجهي وأنفي.. والخفين لقدميّ».

إضاءة

حياة الرايس، أديبة تونسية، رئيسة «رابطة الكاتبات التونسيات»، وهي جمعية أدبية أسستها منذ سنة 1994، تسعى إلى لمّ شمل الكاتبات والتعريف بكتبهن ونشر الفكر الحداثي المستنير، لديها مجموعة من الأعمال الأدبية المتنوعة.

Email