الكاتبة الكندية مارغريت آتوود:

العيش في أحضان الغابات جعلني مبتكرة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أبدعت الشاعرة والروائية والناقدة الأدبية الكندية مارغريت آتوود، أكثر من 40 كتاباً، بما في ذلك أشعارها التي شرعت في نظمها مستوحية إياها من الحكايات الخرافية والأساطير، منذ أن كانت في السادسة من عمرها تتجول مع والدها في الغابات التابعة لولايتي أونتاريو وكيبك بكندا.

ورغم تقدمها في السن، لا تزال هذه الأديبة الحائزة على جائزة مان بوكر تؤلف الروايات وتمضي أوقاتاً طويلة من حياتها جالسة بدأب على مكتبها، تخط ما تكتنفه مخيلتها الخصبة من قصص «تتكهن» بشأن مستقبل الكون، وهو الأمر المضني الذي يشعرها بقرب أجلها، حسبما أفادت في مقابلة أجرتها معها مجلة «ريدرز دايجست» أخيراً، بمناسبة صدور روايتها الأخيرة «القلب يذهب أخيراً».

انهيارات مدمرة

في هذه الرواية، تصور آتوود كدأبها، عالماً بائساً وكئيباً، وهي التي توقعت خلال مسيرتها المهنية الطويلة أشياء كثيرة: من الركود عام 2008..وإلى اللحوم التي تنمو في المختبرات. وتقول إن هذه الرؤية السوداوية بشأن المستقبل جدية، وليست «ما إذا كانت ستحدث» بل «متى ستحدث، إلا في حال غير الناس طريقة رؤيتهم للعالم».

وهي ترى الكثير من الإشارات الإيجابية التي تدعو للتفاؤل، لكنها لا تعول على السياسيين كثيرا، فأمثالهم سيقولون لها: «مارغريت، ما تذهبين اليه بعيد الاحتمال!» ولن يعجبهم رسمها لما يفكرون في القيام به بالأبيض والأسود.

تدور روايتها الأخيرة وسط فترة من الانهيار الاقتصادي المدمر، وتتناول حياة مواطنين في مجتمع مغلق يقسمون حياتهم طوعياً، بين «الحرية» كسكان بلدة مجهزة بمتطلبات الحياة، وبين «الأسر» داخل سجن يحقق أرباحاً مالية وسط ظروف غامضة.

الحياة خارج جدران هذا المجتمع المغلق تتسم بالخطر، عصابات متنقلة على استعداد لارتكاب كل أنواع العنف. وبالانضمام إلى المجتمع، صنعت اتوود مخططاً يبدو فيه العمل التطوعي في السجن بنصف دوام أمراً جذاباً، لكن لا خروج من هذه الدوامة، ما ان تصبح في الداخل.

وتقول اتوود: السكان محاصرون في هذا الاتفاق طيلة حياتهم، ثم تتبدل الأمور وتذهب بطريق الخطأ بوجهة رهيبة. وتبدأ الأمور في الانحراف، لأن السجن هو مشروع من أجل الربح، وعندما يكون هناك سجن يعمل كمؤسسة ربحية، يتعين عليك تصور من أين سيأتي هذا الربح.

موقف إيجابي

الشرير يبتسم في روايتها، لكن اتوود لا تشكك بالمبتسمين، بل تعتقد أنه من الجيد التمتع بموقف إيجابي في الحياة، لكنها تعترف بأن في الابتسامة شيئاً غريباً جداً من الناحية البيولوجية، لأن معظم الحيوانات تظهر أسنانها على سبيل التهديد، وتتساءل عما إذا كان إظهار أسنانها غير المسننة أشبه بالمصافحة لإظهار أنه ليس بيدها سيف.

وربما يكون طرح هذا السؤال على عالم إحيائي أمراً مثيراً للاهتمام، لكنها تشير أيضاً إلى أنه في فن التصوير خلال عصر النهضة في أوروبا، لم يبتسم الأرستقراطيون في اللوحة لإظهار تفوقهم وعدم اضطرارهم إلى إرضاء أحد، فيما ابتسم الفلاحون لإظهار انهم خانعون.

ويعرف عن الروائية أنها صاحبة ابتكار لتكنولوجيا جديدة، جهاز «لونغبن» الذي سمح للمؤلفين بتوقيع كتبهم عن بعد، وترجع اهتمامها في الابتكار لترعرعها في غابات أونتاريو وكبيك.

تقول إنها كانت مزودة بعدد محدود من الأدوات. لم يكن هناك متجر بإمكانها أن تذهب إليه وتشتري الأشياء منه، ولا شخص يمكنها الاتصال به لإجراء التصليحات. فتعلمت أن تصلح الأشياء بما يتيسر بين يديها.

تفاعل غائب

من بين ابتكارات روايتها الأخيرة روبوتات من المستقبل للتسلية، وتقول أتوود إن هذه التكنولوجيا ما زالت في مراحلها المبكرة، ويجري تحسين آليتها. وهي غير متفائلة بحال البشر، وتعتقد أن بعض الناس الذين لا يعجبهم التفاعل مع البشر سيكونون أكثر سعادة مع الروبوتات، كذلك غيرهم ممن يرغبون بالسيطرة التامة على علاقاتهم، فإنه سيكون بمقدورهم ذلك.

عدا الابتكارات، فإن قراءة الرسائل المكتوبة على جدران الحمامات أثارت اهتمامها دوماً، وتقول إن الناس اعتادوا كتابة «رسائل» كتلك منذ أيام الرومان، كانوا يحفرون أشياء مثل «جون يحب ماري» على الأهرامات، أو «أنا كنت هنا» على جدران غرف الغسيل، بعضها يدل على سرعة بديهة، وبعضها عبارة عن أشعار قصيرة.

وقد اقتبست من بعض ما كتبه غيرها: «أحب الشخص فلاناً وفلاناً. نعم أحبهما /‏ هو لي وليس لك».

وعدا عن ذلك، فإن الإلهام المبدع لاتوود، المعروفة بإنتاجها الخصب، يعود أيضاً إلى عادة الالتزام بالمواعيد النهائية، وهي تقول: «أحب المواعيد النهائية. أعتقد أن ذلك يأتي من المدرسة الثانوية وما هو مطلوب تحضيره من مواد للامتحانات النهائية».

ساهمت الروائية أخيراً بالمخطوطة الأولى لـ«مكتبة المستقبل»، وهو مشروع فني يقوم بموجبه كاتب كل عام بتوفير مخطوطة ستبقى لقرن غير مقروءة قبل نشرها، وقد زُرع بستان في النرويج لتأمين الأوراق التي سيطبع عليها كتابها الذي من المتوقع صدوره عام 2114.

تأليف هذا الكتاب شكل تجربة مثيرة بالنسبة لها إلى حد بعيد، إذ كان عليها أن تأخذ الكثير من الأمور بعين الاعتبار. هل ستكون اللغة تغيرت عام 2114؟ هل ستكون التكنولوجيا تغيرت؟ ولا أحد يعرف إلام ستتحول.

فعند تأليف رواية للقرن التاسع عشر، يتعين البحث عن تلك الأشياء التي أخذها الجميع كشيء مفروغ منه بحيث لم يكتبوا عنها، تقول آتوود، لكن عند الكتابة لقارئ في المستقبل، فإنك تفكر في الموضوع طوال الوقت: ماذا سيتبقى، وماذا سوف يختفي ويزول، ولا فكرة لديك.

لكن تبقى أهمية المشروع حسبما تقول، فيما يعنيه لناحية وجود قراء، وأشخاص بمقدورهم القراءة، وغابة في النرويج تقدم أوراقاً للكتابة عليها، مما يشكل أملاً كبيراً للمستقبل.

بطاقة

مارغريت أتوود المولودة في أوتاوا بكندا عام 1939، شاعرة وروائية وناقدة أدبية وناشطة بيئية، ولديها ابتكار عملي باسمها. أعمالها منشورة في 35 بلداً، وألفت أكثر من 40 كتاباً. تخرجت من فيكتوريا كوليج عام 1961 ببكالوريوس بالأدب إلى جانب الفلسفة واللغة الفرنسية، وحصلت على ماجستير من جامعة هارفرد 1962.


«القلب يذهب أخيراً» معالجات روائية موضوعاها التطور والانحلال

في مستقبل كئيب ومخيف ليس ببعيد، هناك انهيار اقتصادي في أنحاء الغرب الأوسط الأميركي، البطالة في أوجها، المعنويات في الحضيض، الناس مفلسون، ويلتقطون ما تبقى من عصر مضى. تلك هي فحوى رواية اتوود.

الزوجان ستان وشارمين، مثل كثيرين غيرهما، خسرا كل شيء، كانا يعيشان من قبل على أجر يتلقيانه كل شهر، ثم جاء الانهيار فخسرا وظيفتيهما إلى جانب منزلهما. وهما مجبران الآن على العيش في سيارتهما الـ«هوندا» المستعملة، حيث يضطران إلى الانطلاق عدة مرات كل ليلة للهرب من عصابات متنقلة تسعى إلى أخذ أي شيء يمتلكانه. شارمين بالكاد تكسب دخلا بالعمل بنصف دوام في مقهى، وهما يفتشان عن طعام في القمامة. وعلاوة على ذلك، تبدو علاقة الزوجين ماضية إلى مزيد من التباعد مع مرور الوقت.

عقد مدى الحياة

هناك وسيلة للخروج من هذا الفقر. ويعتقد الزوجان أن المجتمع الميسور «كونسيليانس» سيحقق أمنياتهما. إذا وقعا على عقد مدى الحياة، فسيحصلان على وظيفة ومنزل رائع لمدة ستة أشهر في العام.

لكن الزوجين سيجبران على مغادرة مكان إقامتهما، والتناوب كل شهر، كما سكان البلدة، على الخدمة كسجناء في سجن «بوسيترون» الذي من المفترض أنه مكان خالٍ من المجرمين العنيفين، قائم بذاته ومكتف ذاتياً. ويبدو كل شيء منظماً بالنسبة لهما. شهر واحد يقضيانه في السجن، والشهر التالي يعودان إلى منزلهما ليعيشا كزوجين. وخلال أوقات السجن، يعيش زوجان آخران في منزلهما.

نهايات مرعبة

في البداية، يبدو الأمر مستحقا لعناء القيام به، الكل لديه وظيفة في بلدة كونسيليانس /‏ بوسيترون، ووعد الأمان مضمون إلى حد ما، وسيكون هناك سقف فوق رأسيهما وطعام على طاولتهما. لكن عندما تتكشف سلسلة من الأحداث المضطربة سيتبدى لهما بوسيترون كنبوءة مخيفة. وربما ينتهي بهما المطاف بمنزل ووظيفة، لكنهما سيجدان نفسيهما محاصرين إلى الأبد في المكان. فنصف وقتهما في سجن، ونصفه الآخر مقيدان في سجن خارجي. ومع تطور الأحداث..نجد أنه وعلى الرغم من الاقتصاد العالمي المنهار، إلا أن الطلب على روبوتات التسلية مستمر.

بوسيترون نوع من قصة «عالم جديد شجاع»، كل شهر سكان البلدة العبيد يعملون في الحفاظ على سجن، فيما الأشهر الأخرى يعودون إلى «حياتهم الفعلية»، وهذه البلدة-الشركة ليست مفهوماً جديداً في أميركا.

وتبدو اتوود في روايتها مهووسة بالشر الذي يشترى بالمال، ومدى استعدادنا للتغاضي عن الرشوة أو عدم استعدادنا للنظر عن كثب في مسارتنا ورذائلنا القليلة.

وفي العموم، فإن رواية «القلب يذهب أخيراً» رؤية حية عن التطور والانحلال، الحرية والمراقبة، والصراع والأمل. تأخذ أتوود من أفكار اليوم بشأن تكافؤ الفرص بين الجنسين والعلاقات الإنسانية والتكنولوجيا والسلطة، وتنتقل إلى المستقبل، لتطرح تحديات صارخة بشأن أنفسنا والمجتمع الذي نحب أن نعيش فيه، وأن نكون في أرجائه.

تفيد صحيفة «هافينغتون بوست» عن الكتاب بأنه تصوير حاد نفسي لمستقبلنا الذاهب في الاتجاه الخطأ، وللثابت الأبدي في إنسانيتنا وما يشوبها من عيوب.

ويعرف عن الكاتبة أنها تمكنت عبر رواياتها من تصوير ما سيحدث في المستقبل، لكن ما يرشح لديها عن عالم الغد، في هذه الرواية، يتمثل في أنه لن تكون هناك أسلحة ولا شرطة، لكن متاجر للطعام السريع ومكبات قمامة، وكل من توقع أزمة طاقة فهو على خطأ. فالغاز متوفر، والأضواء تشع والطعام يجري توزيعه ونقله.

تصمم أتوود عالمها الكئيب بلمسات كوميدية سوداء، وتتطرق إلى أمثلة من الحكايات الخرافية والأساطير، التي كانت قد تأثرت بها كثيراً في صغرها.

 

Email