علي في باريس

ت + ت - الحجم الطبيعي

وجه مألوف بين مرتادي مقاهي حي سان جيرمان الباريسي، ملامحه السمراء، وجهه النحيل، سترته الداكنة الضيقة، حذاء رياضي يساعد على المشي، قبعة (كسكيت) لا تفارقه تقيه تقلبات الطقس، رزمة كبيرة من أعداد اليومية الفرنسية (لوموند) بيده، واليد الأخرى تلوح بنسخة من جريدته، يعرض عناوينها بطريقة ساخرة على رواد المقاهي في هذا الحي، الذي يمثل قلب باريس الثقافي.

إنه علي أكبر، الباكستاني الذي جاء إلى باريس منذ أكثر من 40 سنة، وانتهى به المطاف بائعاً متجولاً للصحف، لكنه ليس كغيره من الباعة، فهو يمتلك أسلوباً ساخراً في قلب العناوين، ما يضحك القراء، فيشترون منه الصحيفة، مثلاً ينادي بأعلى صوته:

«لقد انتهى الأمر.. زيدان وزيراً للرياضة»، أو «انتهى الأمر، فرنسا ستبقى للفرنسيين»، عندما يحتدم الوضع الداخلي حول قضايا الهجرة، أيضاً: «انتهى الأمر، فقد عثروا على دراجة الملا عمر»، عندما كانت الولايات المتحدة تؤكد عزمها على اعتقال زعيم طالبان. وهي عناوين ليست حقيقية، لكنها ساخرة، تجذب القراء، وتجعل منه شخصاً محبوباً، إلى درجة أنه ألف كتاباً بعنوان «أُضحِكُ العالم.. لكن العالم يبكيني».

هذا الكتاب فيه سيرة حياة هذا الشخص الذي ولد في روالبندي عام 1954، وجاء إلى أوروبا، ومعاناته قبل أن يتحول إلى شخصية ظريفة، يقصدها محبو الصحف، وبالسخرية نفسها التي يعتمدها لبيع صحيفة لوموند، يسخر علي من كونه أصبح كاتباً، فيقول: «انتهى الأمر، علي أكبر حاز على جائزة غونكور «وهي من الجوائز الأدبية الفرنسية المرموقة التي تعطى سنوياً لأفضل أديب فرنسي».

يقطع علي أكبر حوالي 15 كيلومتراً يومياً سيراً على الأقدام، لكنه لم يعد شاباً، ولذا، فإنه يأمل أن يستجيب رئيس بلدية الدائرة الباريسية السادسة، حيث يقع حي سان جيرمان، للترخيص الذي طلبه لإقامة كشك صغير لبيع التذكارات، والصحف بالطبع.

قصة علي أكبر، عرفتها من خلال مواضيع متفرقة قرأتها هنا أو هناك، ومن خلال ملحق «بيان الكتب»، الذي قدم عرضاً لكتابه «أُضحِك العالم.. لكن العالم يبكيني»، لكن شاءت الصدف أن أكون وجهاً لوجه أمامه في أحد أزقة سان جرمان، عرفني إليه صديقي، كان تماماً كما يصفونه، ودوداً، دمثاً، ناحلاً، وبدا مستعجلاً.. مضى.

كان بالنسبة لي نجماً حقيقياً، لقد وَقَرَ في نفسي أن النجومية لا تعني الثراء أو السلطة، بل تعني النجاح عبر قصة كفاح طويلة، جسدها علي أكبر، الذي يُضحِك العالم.. لكن العالم يبكيه.

Email