إيان ماكوين: الواقعية الاجتماعية جوهر رواياتي

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد الروائي الإنجليزي إيان ماكوين، أنه استمتع كثيراً أثناء تأليف روايته الأخيرة «قشرة الجوز»، التي يرويها جنين لم يولد، ووصف عملية تأليفها بـ«راحة للحواس» إذ لم يكن مضطراً لإجراء أية أبحاث لتأليفها، وقال في حوار أجرته معه صحيفة «غارديان» البريطانية، إن ذروة السعادة لديه تتجلى عادة عند إنجازه الرواية، وإن الشخصيات التي تستهويه في العادة ليست من العمال اليدويين، بل أولئك الذين يتقنون التعبير عن أنفسهم مما يساعده في استكشاف الأشياء التي تثير اهتمامه في الأماكن التي لم تدخلها عائلته المنتمية إلى أوساط الطبقة العاملة.

ويقر ماكوين أن فكرة سرد رواية من منظور جنين استهوته بسبب فرادتها، وقد وجدها سخيفة لدرجة أنه لم يستطع مقاومتها، بل وتراءت أمامه حتى الجملة الافتتاحية، التي لم يجر عليها أي تعديل، باستثناء إضافة كلمة «حسناً» في أولها، فأصبحت: «حسناً، أنا هنا داخل امرأة مقلوبة رأساً على عقب». ويعتقد الكاتب أنه استخلص الكثير من المتعة أثناء تأليفها، ويعلق ضاحكاً: «كنت ملتزما من الجملة الأولى، وقد استمتعت كثيرا، كتبت روايات متتالية متجذرة في عالم قابل للتصديق، وقمت بأبحاث من أجل تأليف رواياتي، وأنا ملتزم كثيرا بشكل من الواقعية الاجتماعية في رواياتي، لذلك كان هذا الكتاب بمثابة راحة للحواس، ولم أكن مضطرا لإجراء أي بحث على الإطلاق».

«متجهم.. مقطب الوجه»

يتهمه النقاد بأنه متحامل ضد نوع معين من الرجال في رواياته. وهو يؤكد في المقابلة تلك المخاوف التي تراوده من أنه سيتلقى طلقا ناريا أثناء توقيع كتابه على يد شخص يصفه بأنه: «متجهم، مقطب الوجه، بدين، يمشي متثاقلا تجاهه». وهناك أكثر من رواية لماكوين تصور رجالاً غير متعلمين، يتصفون بذكورية تنطوي على تهديد.

وفي «قشرة الجوز» المكونة من 199 صفحة، نلتقي بالناشر الرومانسي المغلوب على أمره جون، وزوجته الشابة الحامل بطفله ترودي، والتي هي على علاقة بأخيه كلود، التافه غير المثقف، حيث يتآمر الاثنان على قتل جون والحصول على ميراث يقدر بـ 8 ملايين جنيه إسترليني، ذلك في مكيدة يسردها الجنين في رحم ترودي. ويعتقد ماكوين أن الشخص الوحيد الذي لا حول ولا قوة له، ربما أكثر من الجنين، كان أمير الدنمارك هاملت، فاستمد من تلك المسرحية حبكة روايته.

هويات وطرق جديدة

لكن للرواية أبعادا أخرى أيضا، تتعلق بالهوية، وكيف يعاد تصنيفها باعتبارها قضية خيار شخصي، لا تحددها الحقائق الموضوعية، بل مشاعر الفرد. ويؤكد المؤلف أن ما يهمه هو أن تعثر هويات الناس على طرق جديدة للتعبير عن نفسها، لكن عندما تغدو الهوية الشخصية سياسة الشخص بالكامل، في عالم مليء بالمتاعب الأخرى، فإنه يصبح أكثر نقدية.

«متكبر».. وفخور!

وبالنسبة إلى تصويره الرجال غير المتعلمين ككاريكاتور يعبر عن ذكورية خطيرة، مثل المسلح «المتهجم، مقطب الوجه، البدين» الذي يخاف منه أثناء توقيع كتابه، فيدافع ماكوين عن موقفه: «أحب الأفكار وأحب قراءة الكتب، وأعيش في عالم من الفضولية المستمرة حيال الأفكار، بالتالي تميل شخصياتي إلى أن تكون وفقا لذلك إجمالا. ليست كل الشخصيات في رواياتي، لكن بالمجمل، فهذا ما أنا عليه...».

ولا يبالي ماكوين في وصفه بـ«المتكبر»، ويدافع عن نفسه: «هناك دوما تلك الكلمة (النخبوية). وأعتقد أن النخبوية تعني قراءة الكتب، ولا يمكنني أن أنظر إلى ذلك كنخبوية بأي شكل من الأشكال.. فهذه من متع الحياة...».

ويبين أنه توقف عن قراءة عروض الكتب، فروايته «الطاقة الشمسية» حصدت عروضاً إيجابية في بريطانيا وكارثية في الولايات المتحدة. لكن إذا لم يكن من أجل الإشادات، فلماذا يكتب إذن؟ يرد: «لحظة السعادة الحقيقية هي عند إنجاز الرواية، عندما تفكر أنك أوصلتها إلى حيث أردتها أن تصل». ويشير إلى أنه «من دون نساء قارئات فإن الرواية ستموت».

بطاقة

إيان ماكوين. روائي إنجليزي وكاتب مسرحي ومؤلف قصص قصيرة برز في فترة السبعينيات من القرن الـ20. قدم 17 رواية، حقق معظمها أعلى المبيعات، ومن أهمها روايته «الكفارة» و«امستردام».

«قشرة الجوز» مناجاة هاملت على لسان جنين

رواية «قشرة الجوز» هي الرواية السابعة عشرة للمؤلف الإنجليزي إيان ماكوين، تستوحي أجواءها من مسرحيات شكسبير التراجيدية، لا سيما هاملت وماكبث، ويغلب عليها بالتالي طابع المناجاة، وعلى نقيص مؤلفات ماكوين السابقة من نوع الواقعية الاجتماعية، تتصف هذه الرواية بنوع من الغرائبية، إذ إنها تروى على لسان جنين لم يولد بعد.

الرواية تتحدث عن الخيانة والجريمة، مناجاة يسردها جنين محاصر في رحم والدته، يستمع للمكائد التي تخطط لها والدته مع عمه، لقتل والده.

تأخذ عنوانها من سطر لهاملت يقول فيه: «ربما يتحدد مكاني داخل قشرة جوز، لكنني احتسب نفسي ملكاً لفضاء بلا حدود».

8

في إحدى المرات، يسترق الجنين السمع إلى أمه وهي تقول لزوجها جون الذي انفصلت عنه، إنها بحاجة إلى الابتعاد عنه أثناء حملها.

أحداث الرواية تدور في منزل كبير بطابع عمارة جورجية وسط لندن، المنزل متهالك، قيمته 8 ملايين جنيه إسترليني، وقد ورثه الناشر الشاعر جون الذي غادره، ليتسلل مكانه أخوه مطور العقارات كلود الذي يخطط مع زوجة جون للتخلص منه والحصول على نصيبهما من الملكية. ويجري تدبير مكيدة بدس السم في أحد المشروبات المفضلة لجون. وفي كل هذا السيناريو، فإن الجنين عليه الاستماع إلى هذا الحديث بين عمه الكريه وأمه المحببة موصولا معهما، وغير قادر على رفع يده دفاعا عن والده. ويوبخ نفسه: «لا تضيع أيامك الثمينة في الخمول ومقلوبا، تصرف»!.

ويبدأ ماكوين بتعريفنا بالجنين في الرحم، فيكتب: «أطرافي مطوية بشدة على صدري، رأسي محصور في مخرجي الوحيد. ارتدي أمي مثل قبعة ضيقة». وهذا الجنين هو «ملك المكان بلا حدود»، بالنغمة الرثائية نفسها لهاملت.

«أن أولد أو أموت»

يسرد الجنين انه كان في إحدى المرات يعوم حالما في فقاعة أفكاره. لكن كما حصل مع هاملت في مملكة الدنمارك، فإن شيئا كريها توغل إلى مملكته، وأجبره على طرح السؤال: أن أولد أو أن أموت. الأمر المؤثر في مشاعر الجنين هو قلقه على مصيره، على الرغم من عجزه عن القيام بشيء إلا الركل. ويحاول الراوي أن يقاطع ترودي وكلود من خلال شنق نفسه بحبله السري في إحدى المرات. ويشعر بأنه محاصر بالكامل بين «أن يكون أو لا يكون»، ويشعر بالقلق على حبله السري.

ويطرح الجنين تساؤلات على نفسه: لماذا يبدو والده غير مبال بابنه الذي سيولد قريبا؟ وماذا تنوي أن تفعل به والدته ما أن يولد؟ هل بإمكان الراوي أن يمنع هذه الجريمة أو أن ينتقم بطريقة ما؟ وماذا عن العالم الذي هو على وشك أن يولد فيه؟

وهذا الجنين ساخر يفتقر إلى الوقار. كما أنه على معرفة واسعة بالعالم الخارجي عن طريق استراق السمع إلى والدته ترودي، أثناء استماعها إلى القناة الرابعة والتسجيلات الصوتية، ويتحدث عن اليوسيس ويفضل كيتس عن غيره من الشعراء، ويقلق بشأن أشياء كثيرة مثل التغيير المناخي وانتشار الأسلحة النووية، ويعطي محاضرات بشأن مستقبل الحضارة وعدم المساواة.

قد يكون ميل ماكوين إلى وضع كل هذه الأفكار على لسان جنين دفع نقاد الفن إلى اعتبارها تعليقات جانبية متطفلة.

الرواية أيضا تتصف بأجواء من مسرحية ماكبث، فكلود وترودي هما ماكبث وزوجته، يعذبان بعضهما بعضا بفكرة إذا فشل أحدهما «فإن كل شيء سيمنى بالفشل»، وهما مستهلكان بالذنب، يفركان بيأس بقع الدماء على السجادة.

Email